كيفية الابتعاد عن العادة السرية و المواقع الاباحية وغيرها

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته انا طالب في الثانوية العامة بدات قصتي مع العادة السرية و انا صغير عمري حوالي ١٣ عاما كنت افعلها يوميا ثم اسبوعيا و احيانا شهريا بدون المواقع الاباحية حينها ابتعدت تماما عن الصلاة و لم اكن اصلي الا الجمعة و عرفت تلك المواقع للاسف و انا عمري حوالي 15 سنة و صار الادمان اشد و انا الان عمري 21 سنة اي اني ادمنت هذة العادة و ازداد ادماني بسبب المواقع الاباحية حوالي 9 سنوات في هذة العادة السيئة و ليس هذا فقط بل ايضا لم اصلي نهائيا إلا صلاة الجمعة لحوالي 8 سنوات و لكن الحمد لله بدات انتظم في الصلاة و لكن اخاف ان اموت قبل ان اسدد هذا الدين جربت كل الطرق الممكنة تقريبا استعنت بالقران و الدعاء شاهدت فيدوهات كثيرة للاقلاع عن هذة العادة السرية و قرأت في الكتب و حجبت تلك المواقع بشتى الطرق و في كل مرة تكون هناك ثغرة اتمكن من خلالها للدخول لتلك المواقع مرة اخري حتي انني كنت اصوم و اقع في الذنب و انا صائم حتي انني كنت اقول الله اكبر بمجرد ان تاتي فكرة جنسية في راسي و لكن لا يوجد فائدة و كنت اقول ايضا الله يراني الله مطلع علي الرقيب يراقبني و ايضا اصبحت اعاني من امراض الاكتئاب و الانطوائية فقدت كل اصدقائي و لم اعد اذاكر نهائيا و اشعر بالخوف الشديد كلما بدات اقرا فقط و الوقت يضيع و اليوم يبدا لينتهي و الامتحانات باقي عليها اسبوع فقط و ما ذاكرته قليل جدا و انا الان اعيش في غرفة منعزلا عن العالم اسف على الاطالة افيدوني افادكم الله عز و جل

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فلا شك أن ما تشعر به هو من تلبيس الشيطان عليك ليوقعك في القنوط من رحمة الله، فذُنُوبُ العبد وإنْ عظُمَت وتكررت فإنَّ عفوَ الله ومغفرته أعظمُ، فلا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصر؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وروي أيضًا: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة"، وصح عنه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - أنه قال: "كلُّ ابْنِ آدَمَ خطَّاء، وخَيْرُ الخطَّائين التَّوَّابون"، قال رسُولُ اللَّهِ "التَّائِبُ مِن الذَّنبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ".

فالتوبة من أجل وأحب الطاعات إلى الله تعالى، والله سبحانه يفرح بتوبة عبده أعظم من فرح هذا الواجد لراحلته في الأرض المهلكة، بعد اليأس منها، كما في الصحيح عن أبي هريرة.

فالله سبحانه أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وسبقت رحمته غضبه، وحلمه عقوبته، وعفوه مؤاخذته، وكتب على نفسه الرحمة، ويحب الإحسان والجود والعطاء والبر، والفضل كله بيده، والخير كله منه، والجود كله له، وأحب ما إليه أن يجود على عباده ويُوسعهم فضلاً، ويغمرهم إحسانًا وجودًا، ويتم عليهم نعمته، ويضاعف لديهم منته، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، ومن ثمّ كان العفو والمغفرة والرحمة أحب إليه من الانتقام، والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع؛ ففي الصحيحين قال - صلى الله عليه وسلم: "لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها"، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء!

ومن حكمة الله تعالى أن خلى الله بين العبد وبين الذنب، وأقدره عليه وهيئ له أسبابه، وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة، منها أنهم يطلبوا عفوه ومغفرته فيغفر لهم؛ كما روى مسلم "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم".

قال الإمام ابن القيم في "شفاء العليل"(ص: 223): "فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر، وعلى من يتوب، وعمن يعفو، ويسقط حقه، ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه؛ وهو واسع المغفرة، فكيف يعطل هذه الصفة! أم كيف يتحقق بدون ما يغفر! ومن يغفر له! ومن يتوب! وما يتاب عنه". اهـ.

والحاصل أن العلاج الناجع لما أنت فيه هو الفرار إلى الله، والجد في الهرب إليه، منطرحًا على بابه متضرعًا متذللاً، خاشعًا باكيًا آسفًا، متذكرًا عطفه وبره ولطفه ورحمته، ورأفته وإحسانه وجوده وكرمه، مع غناه وقدرته، وأن سبيل التوبة مفتوح دائما لكل من قصده، وسعة رحمته وسعت كل شيء؛ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي".

وبشر عباده أنه يغفر جميع الذنوب لكل من تاب من الشرك والكفر والكبائر؛ قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

وقال - تعالى -: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: 17]، وقال: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة: 104]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ* وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى: 25، 26].

والعبدَ إذا أذنبَ ثُمَّ تاب مِن ذُنُوبِه وصدق في توبته، فإنَّ الله يقبَلُ توبَتَه؛ قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طـه: 82].

والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا، وظاهرة الدلالة أن كل من تابَ واستغفَر وأصلحَ عفا الله عن كلِّ ذنوبه، حتى أعظمَ الذُّنوب وأكبر الكبائر، والكُفْرِ والشِّرك؛ لأنَّ وعْدَ الله لا يُخلَف، وحقُّ الله تعالى في جانب العفو والصفح أرجح، روى الترمذي عن أنسِ بْنِ مالكٍ قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال اللهُ تبارك وتعالى: يا ابْنَ آدَمَ إنَّك ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَنِي غفرتُ لك على ما كان فيكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدَمَ لو بلغتْ ذُنُوبُك عَنانَ السَّماء ثمَّ اسْتَغْفرتَنِي غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابْنَ آدَمَ إنَّك لو أتيتَنِي بقراب الأرْضِ خطايا ثُمَّ لقيتَنِي لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرة".

هذا؛ ومِمَّا يُعِينُ على الثبات على التوبة أمور منها:

الإكثار من فعل الصالحات، فإنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات، ومن ذلك كثرةُ الاستغفار ووصلاة النوافل والذِّكْر والدُّعاء.

- البُعْد عن دواعي المعصية وأسبابِها كمُفارقة موضِع.

- البحث عن رافقة من الأَخْيَارِ والصَّالحين.

- تعلُّم العلم النافع والحرص على حضور مَجالس العلم، وأن تَملأَ وقتَك بِما يُفِيدُ حتَّى لا يَجِدَ الشيطانُ لديْكَ فراغًا.

والله أعلم.