أريد الزواج من امرأة تكبرني وأهلها يرفضون
خالد عبد المنعم الرفاعي
انا شاب واريد الزواج من امرأة تكبرني في السن لكن اهلها رفضوا و مع محاولة الاقناع رفضوا بسبب فارق العمر علما ان ابوها متوفي و اخوها الاكبر يعيش خارج البلاد ولا يعترف بالصلاة و اخوها الاخر يصلي جزء من الاوقات و الثالث متذبذب حول الاسلام وهي تعيش اجواء مخالفة للدين وتضايقها كثيرا...فهل لهذه المرأة ان تزوج نفسها دون علم اخوتها ؟ وهل لاخوتها بذلك ولاية عليها ؟ واذا ثبتت ولاية احدهم فهل يعتبر منعهم عضل لها ؟ افيدونا بارك الله فيكم ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا يَجوز لِلثيب أن تُزَوِّج نفسَها، وإذا وقع الزواج بغير ولي، فالزواج باطل؛ لفقد عقد الزواج لأحد شروطه وأركانه؛ وهو وجود الولي؛ قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نِكاحَ إلا بوليٍّ"؛ رواه أبو داودَ، والتِّرمذي، وابنُ ماجه، من حديث أبي موسى الأشْعريِّ.
وقال - صلى الله عليه وسلم- : "أَيَّما امْرأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِا؛ فَنِكاحُها باطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بها فَلَها المَهْرُ بِما اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنِ اشْتَجَروا، فالسُّلْطانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ"؛ أَخْرَجَهُ أَبو داوُد والتِّرمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّان وابْنُ مَعِين والحاكِمُ وغيْرُهُم.
ورَوَى ابنُ ماجهْ عَن أَبِي هُريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "لا تُزَوِّجُ المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّجُ المرأةُ نفسَها؛ فَإِنَّ الزَّانِيةَ هِي الَّتِي تُزوِّجُ نفسَها".
وهي أدلة عامة تشمل الثيب والبكر.
فاطلب المرأة من إخوتها فإن رفضوا بغير سبب شرعي معقول تنتقل الولاية إلى الأعمام ثم بقية الأولياء من العصبة، وقد نصَّ الفقهاء على أن: الولي إن منَع المرأة من التزويج بكفئها - إذا طلبتْ منه ذلك، ورغِب كلُّ واحدٍ بصاحبه - أنَّه يَفسُق بالعضْل، وتَنتقل الولايةُ إلى الوليِّ الأبعد؛ كما روى البُخاريُّ عن مَعقِل بن يسار: قال: "زوَّجتُ أختًا لي مِن رجل فَطَلَّقها، حتى إذا انقضَتْ عدَّتُها جاء يخطبها، فقلتُ له: زوَّجتُك وفرشتُك وأكرمتُك، فطلَّقْتَها، ثم جِئتَ تَخطبها، لا والله لا تعودُ إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأةُ تريدُ أن ترجعَ إليه، فأنزل الله هذه الآية: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232]، فقلتُ: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوَّجها إيَّاه".
قال ابنُ قدامة في "المغني": "إذا عضَلها وليُّها الأقرب، انتقلت الولايةُ إلى الأبعد، نصَّ عليه أحمدُ، وعنه روايةٌ أخرى: تنتقل إلى السلطان، وهو اختيارُ أبي بكر، وذُكِر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وشُرَيْحٍ، وبه قال الشَّافعيُّ؛ لقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "فإنِ اشتجروا، فالسلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ له".
ولأنَّ ذلك حقٌّ عليه امتَنَع مِن أدائه، فقام الحاكمُ مقامَه، كما لو كان عليه دَيْنٌ فامْتَنَع مِن قضائه، ولنا أنه تعذَّر التزويجُ مِن جهةِ الأقرب، فمَلَكَه الأبعدُ، كما لو جُنَّ، ولأنه يَفسُق بالعَضْلِ، فتَنتقلُ الولايةُ عنه، كما لو شَرِبَ الخمرَ، فإنْ عَضَلَ الأولياءُ كلُّهم، زوَّجَ الحاكمُ". اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "الفتاوى الكبرى": "وإذا رَضِيَتْ رجلًا وكان كُفْئًا لها وجَب على وليِّها - كالأخ ثم العم - أن يُزَوِّجَها به، فإن عَضَلَها وامتنع مِن تزويجِها، زوَّجها الوليُّ الأبعدُ منه أو الحاكمُ بغير إذنه باتفاقِ العلماء.
فليس للوليِّ أن يُجْبِرَها على نكاح مَن لا تَرضاه، ولا يعضِلها عن نكاح مَن تَرضاه إذا كان كُفئًا باتفاق الأئمة؛ وإنما يُجبرها ويعْضِلها أهلُ الجاهلية والظلَمة الذين يُزوِّجون نساءهم لمن يختارونه لغرضٍ، لا لمصلحة المرأةِ، ويُكرهونها على ذلك، أو يُخجِلونها حتى تفعلَ، ويعضلونها عن نكاح مَن يكون كفئًا لها؛ لعداوةٍ أو غرضٍ، وهذا كلُّه مِن عمل الجاهلية والظلم والعدوان؛ وهو مما حرَّمه الله ورسوله، واتفق المسلمون على تحريمه". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.