ترك التسمية على الذبيحة سهوًا أو عمدًا

خالد عبد المنعم الرفاعي

فإن ترك الجازر التسمية عمدًا لم تحل الذنبيحة في قول جمهور الفقهاء، خلافًا للشافعي، وإن تركها سهوًا جاز أكلها في قول أكثر أهل العلم، غير أن الموافق للدليل والقواعد العامة أنه لا يحل أكل متروك التسمية سهوًا أو عمدًا، وأنه لا يجزئ  تسمية الحضور عن الذابح.

  • التصنيفات: فقه الأطعمة والأشربة -
السؤال:

لو ترك القائم بالذبح التسمية وتلفظ بها صاحب الاضحية الذى يشهد الذبح والموجودون بمكان الذبح هل هذا يغنى عن عدم تسمية الجزار القائم بالذبح ام يلزم ان يتلفظ الجزار بالتسمية ولا يجزئ غيره؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن تسمية الذابح على الذبيحة واجبة بالكتاب والسنة، وهو قول جمهور العلماء، ولا تجزئ تسمية غيره ممن يحضر الذبح، فإذا لم يعلم المسلم هل سمى الذابح أم لم يسم؟ أكل تغليبا لحسن الظن بالمسلمين، وإن تيقن أنه لم يسم لا يأكل حتى وإن كان تركها الذابح نسيانًا.

وذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أنه إذا نسي الذابح التسمية عند الذبح فإن ذبيحته تحل.

المغني لابن قدامة (9/ 367)

ونقل حنبل، عن أحمد، إن نسي التسمية على الذبيحة والكلب، أبيح، قال الخلال: سها حنبل في نقله؛ فإن في أول مسألته، إذا نسي وقتل، لم يأكل.

وممن أباح متروك التسمية في النسيان دون العمد أبو حنيفة ومالك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان"، ولأن إرسال الجارحة جرى مجرى التذكية، فعفي عن النسيان فيه، كالذكاة".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (35/ 239-340):

"التسمية على الذبيحة مشروعة، لكن قيل: هي مستحبة كقول الشافعي، وقيل: واجبة مع العمد وتسقط مع السهو كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه، وقيل: تجب مطلقًا، فلا تؤكل الذبيحة بدونها سواء تركها عمًدا أو سهوًا كالرواية الأخرى عن أحمد اختارها أبو الخطاب وغيره، وهو قول غير واحد من السلف، وهذا أظهر الأقوال؛ فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع كقوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]، {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وفي الصحيحين أنه قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا"، وفي الصحيح أنه قال لعدي: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فقتل فكل، وإن خالط كلبك كلاب آخر فلا تأكل؛ فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره"، وثبت في الصحيح أن الجن سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علفًا لدوابكم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن"، فهو صلى الله عليه وسلم لم يبح للجن المؤمنين إلا ما ذكر اسم الله عليه؛ فكيف بالإنس؛ ولكن إذا وجد الإنسان لحمًا قد ذبحه غيره جاز له أن يأكل منه ويذكر اسم الله عليه؛ لحمل أمر الناس على الصحة والسلامة؛ كما ثبت في الصحيح: "أن قومًا قالوا: يا رسول الله إن ناسًا حديثي عهد بالإسلام يأتون باللحم، ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا". اهـ.

إذا تقرر هذا، فإن ترك الجازر التسمية عمدًا لم تحل الذنبيحة في قول جمهور الفقهاء، خلافًا للشافعي، وإن تركها سهوًا جاز أكلها في قول أكثر أهل العلم، غير أن الموافق للدليل والقواعد العامة أنه لا يحل أكل متروك التسمية سهوًا أو عمدًا، وأنه لا يجزئ  تسمية الحضور عن الذابح،، والله أعلم.