دعوت على والدي في لحظة غضب
خالد عبد المنعم الرفاعي
الدعاء عَلَى النفس بالشرِّ لا يُستَجابُ كما يستجاب الدعاء بالخير، ولكن نهى الشارع الحكيم عنها؛ مخافة أن يوافق ساعة إجابة فيستجاب.
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
السلام عليكم حصل اشكال بيني وبين ابي بخصوص خطيبي الذي بيني وبينه عقد قرآن ولم يتم الزواج حتى الآن و قد ظلمني فيه ظلما واضحا و اجبرني على ان اطلب من خطيبي الذي طلب الانفصال مني الرجوع وانا اعتذر عن شيء لم افعله بالرغم من رغبتي الشديده في عدم الزواج منه بعدما اتضحت فيه عيوب كثيرة جعلتني انفر منه نفورا شديدا وكانت حجة ابي الوحيدة ان لا يكون علي وسم مطلقه و هددني بالحرمان من عملي و اشياء كثيره ان لم اتزوج به ، و في ساعة غضب دعوت على أبي بكلمة "حسبي الله ونعم الوكيل" و انا ابكي بحرقه بعد فتره من الزمن و حين هدأ كلمني واخبرني انه مدرك لخطأه وان قراري صائب وانه يحبني و اعتذر و اخبرني انه سيدعمني في قراري واعتذرت منه و اخبرته ان هذا الامر اصبح طي النسيان لكن لا زال ضميري يؤنبني لأني دعوت عليه و أخشى ان يكون وقع عليه دعائي او أن يقع عليه مكروه مستقبلا انا نادمة ولا ادري ماذا افعل لا اريد ان يصيب ابي مكروه
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن قول حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ هو تفويض الأمر لله، وإظهار التوكل عليه سبحانه، فهو نعم من توكل عليه المتوكلون وليس دعاء محضًا، و قالها الخليلان إبراهيم ومحمدٌ -عليهما الصلاة والسلام في موقفين حرجين؛ وقد روى كل ذلك البخاري عن من حديث ابن عباس، حسبنا الله ونعم الوكيلقالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم» حين قالوا:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
حتى إن كنت قصدت بتفويض الأمر إلى الله الإساءة للوالد فالذي يظهر أنه قد سامحك عن هذا الفعل، كما أنه يظهر من رسالتك الندم على ما كان منك والندم توبة كما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا؛ ومن رحمة الله تعالى ولطفه ومنِّه وكرمهِ أنه لا يستجيبُ الدعاء بالشر في الغالب كما قال سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]، وقال - تعالى -: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]؛ أخبَرَ - سبحانه وتعالى - عن عَجَلة الإنسان، ودعائه - أحيانًا - عَلَى نفسه أو ولده أو ماله بالموت، أو الهلاك والدمار واللعنة، ونحو ذلك، فلو استجاب له ربُّه، لهَلَكَ بدعائه.
قال مجاهد عند تفسير آية سورة يونس- كما علقه البخاري في صحيحه -: "قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللهم لا تُبارك فيه والعنه، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، لَأَهلَكَ مَن دُعِيَ عليه، ولَأَماتَهُ".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وَصَلَهُ الفِريابيُّ، وعبدُ بنُ حميد، وغيرهما، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد في تفسير هذه الآية، ورواه الطبريُّ بلفظٍ مختصرٍ قال: "فلو يُعجِّل اللهُ لهم الاستجابة - في ذلك - كما يُستجاب في الخير، لأهلكهم، ومن طريق قتادة قال: هو دعاءُ الإنسان على نفسه وماله بما يكره أن يُستجاب له". اهـ.
وقال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري: "يقول - تعالى ذكره -: ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرِّ، وذلك فيما عليهم مضرَّةٌ في نفسٍ، أو مال، استعجالَهم بالخير، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}؛ يقول: لَهَلكوا، وعُجِّلَ لهم الموتُ، وهو الأجلُ، وعَنَى بقوله: {لَقُضِيَ}؛ لَفُرِغَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَجَلِهِمْ، ونُبِذَ إِلَيهِمْ". اهـ. من تفسير الطبري (15 / 33).
والحاصل أن الدعاء عَلَى النفس بالشرِّ لا يُستَجابُ كما يستجاب الدعاء بالخير، ولكن نهى الشارع الحكيم عنها؛ مخافة أن يوافق ساعة إجابة فيستجاب.
هذا؛ والله أعلم.