حكم تجديد النية بعد العمل

خالد عبد المنعم الرفاعي

فمن المعلوم أن النية تسبق العمل ولا تتأخر عنه، ولذلك فالذي يظهر أن تجديد النية بعد العمل غير وارد أصلاً، إلا أن يقال يصح ذلك إذا طرأ ما يدعو للرياء فدفعه عن نفسه لله، فهذا بلا شك يؤجر عليه.

  • التصنيفات: فقه العبادات -
السؤال:

هل يجوز تجديد النية بعد العمل ؟ حتى يثاب عليها

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فمن المعلوم أن النية تسبق العمل ولا تتأخر عنه، ولذلك فالذي يظهر أن تجديد النية بعد العمل غير وارد أصلاً، إلا أن يقال يصح ذلك إذا طرأ ما يدعو للرياء فدفعه عن نفسه لله، فهذا بلا شك يؤجر عليه، وكذلك الحال إن عمل العمل لله ثم سمّع به أو وقع في الرياء، فهذا أيضًا إن تاب من الرياء والسمعة لوجه الله تعالى، عاد إليه العمل كاملاً، فهذا المثال قد يدخل فيما سُئل عنه.

أبو عبدالله ابن القيم في كتابه "الوابل الصيّب من الكلم الطيب" فقال:

"ولم يزل في نفسي من هذه المسألة، ولم أزَل حريصًا على الصَّواب فيها، وما رأيتُ أحدًا شفى فيها، والَّذي يظهر - والله تعالى أعلم، وبه المستعان ولا قوَّة إلاَّ به - أنَّ الحسنات والسيِّئات تتدافَع وتتقابل، ويكون الحكم فيها للغالِب وهو يقْهر المغلوبين، ويكون الحكم له حتَّى كأنَّ المغلوب لم يكن، فإذا غلبتْ على العبد الحسنات، رفعتْ حسناتُه الكثيرة سيِّئاته، ومتَى تاب من السيِّئة، ترتَّبت على توبته منها حسناتٌ كثيرة، قد تُرْبي وتزيد على الحسنة الَّتي حبطت بالسيِّئة، فإذا عزمت التَّوبة وصحَّت ونشأت من صميم القلْب، أحرقتْ ما مرَّت عليه من السيِّئات حتَّى كأنَّها لم تكن؛ فإنَّ التَّائب من الذَّنب لا ذنب له.

وقد سأل حكيمُ بن حزام - رضي الله عنْه - النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن عتاقة وصلة وبرٍّ فعلَه في الشِّرك: هل يثاب عليه؟ فقال النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير))، فهذا يقتضي أنَّ الإسلام أعاد عليه ثوابَ تلك الحسنات التي كانتْ باطلة بالشِّرْك، فلمَّا تاب من الشِّرك عاد إليه ثواب حسناتِه المتقدِّمة، فهكذا إذا تاب العبْد توبة نصوحًا صادقة خالصة، أحرقت ما كان قبلها من السيِّئات، وأعادت عليه ثواب حسناته، يوضِّح هذا أنَّ السيئات هي أمراض قلبيَّة كما أنَّ الحمَّى والأوجاع أمراض بدنيَّة، والمريض إذا عوفي من مرضِه عافية تامَّة، عادت إليه قوَّته وأفضل منْها، حتَّى كأنَّه لم يضعف قطّ، فالقوَّة المتقدِّمة بمنزلة الحسنات، والمرض بمنزلة الذنوب، والصّحَّة والعافية بمنزلة التَّوبة، وكما أنَّ المريض مَن لا تعود إليْه صحَّتُه أبدًا لضعْف عافيتِه، ومنهم مَن تعود صحَّته كما كانتْ لتقاوم الأسباب وتدافعها، ويعود البدَن إلى كماله الأوَّل، ومنهم مَن يعود أصحَّ ممَّا كان وأقْوى وأنشَط؛ لقوَّة أسباب العافية وقهْرها وغلبتها لأسباب الضَّعف والمرض، حتَّى ربَّما كان مرض هذا سببًا لعافيته؛ كما قال الشاعر:

لَعَلَّ عُتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ = وَرُبَّمَا صَحَّتِ الأَجْسَامُ بِالعِلَلِ

فهكذا العبْد بعد التَّوبة على هذه المنازل الثَّلاث، والله الموفّق لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سواه". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.