هل أترك الدعاء والعمل الصالح لأني قاطع للرحم؟!
خالد عبد المنعم الرفاعي
فالإسلام هو الاستسلام الكامل لله تعالى، والانقياد له، والمؤمن مأمور بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر؛ وفيما يُحب وفيما يَكره، ووجود المشكلات ليس بمسوغ لقطيعة الرحم.
السلام عليكم انا قاطع للرحم ولن استطيع ان اصل رحمى لوجود مشاكل بينى وبينهم وقد سمعت احد المشايخ يقول ان الله لا يقبل عمل القاطع فهل اترك الدعاء والعمل لانه فى كلا الحالتين لان يقبل العمل
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالذي يظهر أنه لا يخفى عليك أن قطيعة الرَّحِم مِن أكبر الكبائر التي توجب الطرد مِن رحمة الله؛ والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر، وفيها من القوارع التي تتصدع لها قلوب المؤمنين، وترجف لها أفئدة الصالحين! ففي الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلَقَ الخلق، حتى إذا فرغَ منهُم قامَتِ الرَّحم، فقالت: هذا مقامُ العائِذ من القطيعة، قال: نعم، أما ترضَين أن أصِل مَن وصَلك، وأقطع مَن قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لكِ"، ثُم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إنْ شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]، واللفظ لمسلم.
وعن جُبير بن مُطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخُل الجنة قاطعٌ"؛ يعني: قاطع رحِم؛ (متفق عليه).
والمسلم منهيّ عن هجر المسلمين من غير أرحامه أكثر مِن ثلاثة أيام، فهجر الأقارب أولى وأحرى بالنهي، ففي صحيح البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُر أخاهُ فوق ثلاثِ ليال".
وقد بين أهل العلماء معنى الصلة والهجر؛ كما في "شرح النووي على مسلم" (16/ 113):
"قال القاضي عياض: "الصلة درجاتٌ بعضها أرفع مِن بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة؛ فمنها واجب، ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصَّر عما يقدر عليه وينبغي له، لا يسمى واصلًا"؛ اهـ.
فالواجب عليك أن تجاهد نفسك في الله على صلة رحمك، ومهما جهلوا عليكِ تحتسب الأجر عند الله عز وجل، وهذا الأمر وإن كان شاقٌّ على النفس، ولكن يُهوِّنه ابتغاء وجه الله، وتحصيل مرضاته، والنظرُ لعظيم الأجر.
فالإسلام هو الاستسلام الكامل لله تعالى، والانقياد له، والمؤمن مأمور بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر؛ وفيما يُحب وفيما يَكره، ووجود المشكلات ليس بمسوغ لقطيعة الرحم، فاحذر من تلبيس الشيطان عليك، فكل من وصل رحمه تواضعًا لله تعالى وابتغاءً لفضله، فإن الله تعالى يرفع قدره؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصَت صدقةٌ من مال، وما زادَ الله عبدًا بعفْوٍ إلا عزًّا، وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفعه".
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجُلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلِهُم ويقطعونني، وأُحْسِن إليْهِم ويُسيئون إلي، وأَحلُم عليهم ويَجهلون عليَّ، فقال: "إن كنتَ كما قلتَ، فكأنما تُسِفهم المَلَّ، ولا يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليهم، ما دُمْتَ على ذلك"؛ والمَلُّ: الرماد الحار.
ولعل مِن بركات صلتِكِ له ومقابلتِك للإساءة بالإحسان أن يصلح الله حالهم، كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35].
هذا؛ والله أعلم.