مشاكل تعيقني عن تأدية الفرائض
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم اما بعد انا شاب في 18 اتقاعس عن الصلاة وذلك لضيق الوقت فأنا لا أجد وقت كافي للصلاة بسبب الدراسة فهل يجوز جمع صلوات الظهر والعصر مع المغرب؟ وهل هناك طريقة تجعلني اتمسك بالصلاة؟ وشكرا.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الناظر في الشريعة الإسلامية يعلم أنها أكمل شرائع الله سبحانه، حيث جمعت بين القوة والعدل، والشدة في الله في موضع الشدة، واللين والرأفة والرحمة في موضعه، والعدل والحكمة في الإيجاب، والتحريم، فالله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها؛ قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، وقوله: {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، ونصوص الشريعة وقواعدها كلها تقتضي ألا إيجاب مع العجز، ولا حرام مع ضرورة، فالمريض يصلي على حسب حاله؛ كما في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، فيسقط عن المصلي ما يعجز عنه من قيام وقعود أو تكميل الركوع والسجود، فإن قدر على الطهارة بالماء تطهر، وإذا عجز عن ذلك لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله تيمم، ولو كان في بدنه نجاسة لا يمكنه إزالتها صلى بها ولا إعادة عليه، ومن لم يجد إلا ثوبا نجسًا يصلي ولا يعيد، والمسافر إذا لم يقدر على استعمال الماء صلى بالتيمم، وأوجب سبحانه الصلاة في جماعة، ورخّص في التخلف عنها للعذر أو مشقة، وجعل الوقت هو أعظم أركان الصلاة، وتوعد بالويل على إخراج الصلاة عن وقتها، وتواترت الأحاديث الدالة على أن للصلوات أوقات مخصوصة، ورخص في الجمع بين صلاة العصر مع الظهر، تقديما في وقت الظهر أو تأخيرًا في وقت العصر، والجمع بين المغرب والعشا، إذا دعت الحاجة أو المصلحة الراجحة، ورفعًا للحرج؛ فالجمع بين الصلاتين ليس مقتصرًا على المسافر؛ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس، قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر"، في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: "كي لا يحرَج أمته"، وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
وكل هذا من تيسير الله تعالى الدين على عباده، فلم يجعل فيه من حرج ألبتة لكمال محبته لسبحانه لعباده المؤمنين، ورأفته ورحمته وحنانه بهم؛ قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]، فلم يأمر عباده تحريجا عليهم وتضييقا ومشقة، ولكن إرادة تطهيرهم وإتمام نعمته عليهم ليشكروه على ذلك،
فأخبر تعالى أنه اجتباهم، والاجتباء كالاصطفاء، وهو افتعال من {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78]، فأمر سبحانه وتعالى عباده أن يجاهدوا فيه حق جهاده، فيبذلوا له أنفسهم، ويفردوه بالمحبة والعبودية، ويختاروه وحده إلهًا معبودا محبوبًا.
جاء في "زاد المعاد"(3/ 8):
"... بل جعله واسعًا يسع كل أحد -يقصد: الدين-، كما جعل رزقه يسع كل حي، وكلف العبد بما يسعه العبد، ورزق العبد ما يسع العبد، فهو يسع تكليفه ويسعه رزقه، وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجه ما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة"، أي: بالملة، فهي حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل.
وقد وسع الله سبحانه وتعالى على عباده غاية التوسعة في دينه ورزقه وعفوه ومغفرته، وبسط عليهم التوبة ما دامت الروح في الجسد، وفتح لهم بابًا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وجعل لكل سيئة كفارة تكفرها من توبة أو صدقة أو حسنة ماحية أو مصيبة مكفرة، وجعل بكل ما حرَّم عليهم عوضًا من الحلال أنفع لهم منه وأطيب وألذ، فيقوم مقامه ليستغني العبد عن الحرام، ويسعه الحلال فلا يضيق عنه، وجعل لكل عسر يمتحنهم به يسرًا قبله ويسرًا بعده، "فلن يغلب عسر يسرين"، فإذا كان هذا شأنه سبحانه مع عباده فكيف يكلفهم ما لا يسعهم، فضلاً عما لا يطيقونه ولا يقدرون عليه". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فلا يجوز لك مطلقًا التهاون في أمر الصلاة، ولا غيرها من فرائض الله سبحانه، فاستعن بالله ولا تعجز، وما تشعر به هو محض وسوسة من الشيطان، فإن دعت الحاجة أن تجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، فافعل وأما الجمع بين العصر والمغرب، فإنه لا يجوز؛ لأنه إخراج الصلاة عن وقتها، وهو لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال.
هذا؛ ومن أعظم ما يعينك على أداء الصلاة الاستعانة بالله تعالى، والاتكال عليه والبراءة من الحول والقوة، وصدق اللجأ إلى الله، وتطرح نفسك بين يديه على بابه مستغيثًا به، متضرعًا متذللاً، مستكينًا؛ فالعبد محتاج إلى طلب العون من الله في جميع أموره كل طرفة عين، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، فالعبد عاجز لا يقدر على شيء إن لم يعنه الله، فأُمر بالحرص على الأسباب، والاستعانة بالمسبب، ونُهي عن العجز، وهو التقصير في الأسباب، أو عدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها، فالدين كله ظاهره وباطنه، شرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له"؛ رواه مسلم، وكان يقول دعاء القنوت: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك"، وأمر معاذ بن جبل أن لا يدع في دبر كل صلاة أن يقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعني ولا تعن علي"،، والله أعلم.
قال لنووي في "شرح مسلم: (5/ 219):
"وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول بن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره بن المنذر؛ ويؤيده ظاهر قول بن عباس أراد أن لا يحرج أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم". اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 292) في معرض كلامه أن ما شرعه الله للحاجة يجوز في الحضر والسفر: " الصلاة على الدابة والمتيمم وكأكل الميتة، فهذه جاءت للحاجة وكذلك يجوز في الحضر والجمع هو من هذا الباب. إنما جاز لعموم الحاجة لا لخصوص السفر؛ ولهذا كان ما تعلق بالسفر إنما هو رخصة قد يستغنى عنها، وأما ما تعلق بالحاجة فإنه قد يكون ضرورة لا بد منها".