حكم من قال أموت كافر إن فعلت

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

حكم من قال اموت كافر ان فعلت ذنب وكان ناويا الكفر وبعد ذلك تاب توبه نصوحه وكفر عن يمينه وفعل هذا الذنب هل هو كافر وكل ما يفعل هذا الذنب فهو كافر ام ماذا ؟؟؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فمن قال إن فعلت الذنب الفلاني، أو إن لم يفعل كذا، فهو كافر أو فهو يهودي أو نصراني أو نحو ذلك من ملل الكفر: فقد ارتكب إثمًا، سواء صدق أو كذب؛ لما في الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عُذِّب به في نار جهنم".

وعن بريدة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "من حلف أنه بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقًا فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا"؛ رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين.

وقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وهو إحدى الروايتين عن الإمام  أحمد إلى أنه ليس يمينًا، واستدلوا بأنه ليس حلفًا باسم من أسماء الله ولا بصفته، فلا يكون يمينًا، ولا كفارة فيها.

وذهب الحنفية وأحمد في الرواية الأخرى اختيارها شيخ الإسلام، وهو قول الثوري والأوزاعي وإسحاق إلى أنه يمين، وهو الراجح لأن فيه معنى اليمين؛ لأنه ربط عدم الفعل بكفره أو بالبراءة من الله، أي ربط الفعل بإيمانه بالله، وهذا هو حقيقة الحلف بالله، فهو يمين بشرع الله لربط الفعل بأحكام الله من الإيجاب أو التحريم، ومن ثمّ تجب عليه الكفارة عند الحنث.

فإن قصد مجرد حض النفس أو منعها لم يكفر، لكنه داخل تحت الوعيد الشديد، وإن كان قصد بذلك الرِّضا بالكفر إذا فعله فهو كافر في الحال، وإن كان صادقًا في يمينه فلا يكون سالمًا؛ لأن فيه نوع استخفاف بالإسلام فيكون بنفس هذا الحلف آثمًا كما دل عليه الحديثان السابقان، ولكن لا يكفر إلا إذا أراد الرضا بالكفر عند فعل ما علق عليه.

قال الإمام ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين"( 2/ 88):

"وقد اتفق الناس على أنه لو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، فحنث أن لا يكفر بذلك إن قصد اليمين؛ لأن قصد اليمين مَنَعَ من الكفر، وبهذا وغيره احتج شيخ الإسلام ابن تيمية على أن الحلف بالطلاق والعتاق كنذر اللجاج والغضب، وكالحلف بقوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، وحكاه إجماع الصحابة في العتق، وحكاه غيره إجماعًا لهم في الحلف بالطلاق على أنه لا يلزم". اهـ.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح فتح الباري" (11/538):

"قال بن المنذر اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحو ذلك ان فعلت ثم فعل، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار لا كفارة عليه ولا يكون، كافرًا إلا إن أضمر ذلك بقلبه". اهـ.

نيل الأوطار"(8/296): "وجاء في

"والتحقيق: التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك كفر؛ لأن إرادة الكفر كفرٌ، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟

الثاني هو المشهور قوله: "كاذبًا" زاد في البخاري ومسلم "متعمدًا"، قال عياض: تفرد بهذه الزيادة سفيان الثوري، وهي زيادة حسنة يستفاد منها أن الحالف متعمدًا إن كان مطمئن القلب بالإيمان، وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر، وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملة لكونها حقًا كفر، وإن قالها لمجرد التعظيم لها احتمل". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فإن حلف بالكفر وكان قاصدًا للكفر فإنه يكفر، ويجب عليه التوبة النصوح والاستغفار والنطق بالشهادتين، واعزم على عدم العود،، والله أعلم.