اتوب واعود

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ابي حل كل ماتبت رجعت كل ماتبت رجعت اني اناظر الافلام الاباحيه او اكتب قصص وكل يوم اقول اخر يوم اخر يوم من بكرا بس اصحى على طول على التوتير كل مرا اقول ابغى اغير حياتي ابغى اسوي اسوي بس ارجع معن اني محافظه على صلاتي واقراء البقره والحين مخطوبه واجلس شهر شهرين وارجع صرت اتقرف من نفسي في كل مرا بس اناظرها واسوي العاده احس بذنب ويجي من بكره نفسه حرفيا تعبت مع نفسي غير انو صار يجذبني عن المحارم مادري حرفيا صرت اخاف اجلس طول عمري كذا ابغى اتوب ابغى ابعد ولا ارجع لها.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن العود إلى الذنب دليل على أن التوبة ليست خالصة؛ لأنه على قدر الصدق في التوبة يكون الثبات عليها، وذلك لأن التوبة من أجل شعب الإيمان، وحقيقتها الرجوعُ إلى الله بِفِعْلِ المأمور والانتهاءَ عن المَحظورِ، والذنب مهما عظُم فإنَّ عفوَ الله ومغفرتُه أعظمُ.

:(16/ 58) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "جموع الفتاوى"

"فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب، فهذه التوبة النصوح وهي واجبة بما أمر الله تعالى.

ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصرَّ؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة". اهـ.

فاستعيني بالله ولا تعجزي، وأكثري من الأعمال الصالحة حتى تقوى إرادتك، وتوكلِي على الله - جل وعلا - وتذكري أن الله تعالى يكره الأمور المحقرة من الأمور كما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا))؛ والحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير.

هذا؛ وأعظم ما يعينك على الإقلاع عن تلك الذنوب هو تقوية الخوف من الله - عزَّ وجلَّ – في قلبك، هو: استشعار عظمته تعالى، وأنه يعلمُ سرَّ العبد وجَهْرِه، فهو أفضل ما يحمل صاحبه على ترك الذنب، ولخوفه من عقاب الله ومكره، ورجاءً لما أعده لعباده المؤمنين؛ قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40].

و"الخوف من الله هو الحاجز الصُلْب أمام دَفَعَات الهوى العنيفة، وقلَّ أن يثبَتَ غيرُ هذا الحاجز أمام دَفَعَات الهوى"، قاله الأستاذ سيد قُطْب - رحمه الله - في "الظِّلال".

فمن علم أنَّ الحَفَظَة الكاتبين يراقبون أعماله، وأنَّه حيثما حلَّ مُتَابَعٌ، وأنَّ طريق الهروب من الله مسدودٌ، ولا حيلة له إلا الاستسلام والانقياد والإقبال على طاعة الله، والاستفادة من المهلة الممنوحة له؛ إذ لا يدري متى يتخطَّفه الموتُ، ويصير إلى ما قدَّم.

قال ابنُ القيِّم: "وهي من أَجَلِّ منازل الطَّريق وأنفعها للقلب، وهي فرضٌ على كلِّ أحدٍ؛ قال اللهُ تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقال تعالى: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُون} [النور:51]، وقال: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن} [المائدة: 44] ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61].

وقال إبراهيم بن سفيان: "إذا سَكَنَ الخوفُ القلوبَ أحرقَ مواضعَ الشَّهوات منها، وطردَ الدُّنيا عنها". وقال ذو النُّون: "النَّاسُ على الطَّريق؛ ما لم يَزُلْ عنهم الخوفُ، فإذا زال عنهم الخوفُ؛ ضلُّوا عن الطَّريق". وقال أبو عثمان : "صدقُ الخوفِ هو الوَرَعُ عن الآثام، ظاهراً وباطناً". وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله رُوحَه" يقول: "الخوفُ المحمودُ: ما حَجَزَكَ عن محارم الله". اهـ باختصار.

هذا؛ ومن أنجع الأدوية للبعد عن الذنوب هو صدق الالتجاء إلى الله تعالى، بالضراعة والدعاء بالمأثور وغيره، ومن أجمع الأدعية: "اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ولساني ومن شر مني"، "اللهمَّ إني أسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغنى"، "اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي"، "رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي"، و"اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلاقِ؛ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، اصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا؛ لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ"، "اللهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي"؛ وكلُّها من الأدعية النبوية.

هذا؛ الله أعلم