هل يوجد تعارض بين آية الوضوء وسنة النبي

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

سلام الله عليكم شيخنا الجليل. ما تفسير اية ..يا ايها الذين امنوا اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم إلى الكعبين ... هل المقصود بأرجلكم الغسل ام المسح...حسب القراءة ارجلكم تأتي بالكسر ام الضم وهل هي معطوفة على وجوهكم.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فمن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الله تعالى أمر بغسل القدمين مع الكعبين في الوضوء وأنه لا يجزئ مسحهما، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، وهو مذهب جميع الفقهاء من أهل الفتوى في جميع الأعصار والأمصار، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".

ومن المقرر أن الله تعالى أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بتبليغ الرسالة و بيان معاني ما أنزل الله، وما يشكل فهمه؛ كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44] قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }، ففصّل رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة ما أُجمل وبيّن ما أشكل، وكل هذا وحي من الله تعالى؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، يعني السن.

وبالنظر في سنة النبي نجد أنه أمر بغسل الرجلين في الوضوء؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: تخلف عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثَا"، وفي لفظ: "أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار".

وقوله: "ونمسح على أرجلنا"، انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل.

وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال ذلك؛ قاله الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 211).

قال الإمام الطبري في "تفسير"(10/ 52- 56):

 "اختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قرأة الحجاز والعراق: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، نصبًا، فتأويله: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديَكم إلى المرافق وأرجلَكم إلى الكعبين، وامسحوا برءوسكم وإذا قرئ كذلك، كان من المؤخر الذي معناه التقديم، وتكون"الأرجل" منصوبة عطفًا على الأيدي، وتأول قارئو ذلك كذلك، أن الله جل ثناؤه: إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها.

ثم روى عن السدي أن المعنى: "اغسلوا وجوهكم، واغسلوا أرجلكم، وامسحوا برءوسكم. فهذا من التقديم والتأخير".

حدثني يونس، قال، أخبرنا أشهب قال: سئل مالك عن قول الله: أهي:{أرجلَكم} أو{أرجلِكم}؟ فقال: إنما هو الغسل وليس بالمسح، لا تُمْسح الأرجل، إنما تُغسل، قيل له: أفرأيت من مسح أيحزيه ذلك؟ قال: لا". اهـ.

أما قراءة {وَأَرْجُلِكُمْ} بالخفض، فهي قراءة صحيحة سبعية مستفيضة، وقد قرئ بالجر للجوار، وقد حكم بجوازه جماعة من أئمة الإعراب كسيبويه والأخفش، وأوجب الحمل عليه مداومته - صلى الله عليه وسلم - على غسل الرجلين وأمره به وتوعده على المسح بالويل، وأيضًا، فقد علم أعرابيًا الوضوء والصلاة، وقال له: "توضأ كما أمرك الله"، ثم ذكر له صفة الوضوء وفيها غسل الرجلين.

واختار الإمام الطبري في "تفسيره" (10/ 61- 62) الجمع بين المسح والغسل إعمالاً للقراءتين، فقال: "والصواب من القول عندنا في ذلك، أن الله عزّ ذكره أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم، وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ، كان مستحقًّا اسم ماسحٍ غاسلٍ؛ لأن غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء، ومسحهما، إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح". اهـ.

ووجه الزمخشري عطف الأرجل على مسح الرأس حيث قال في "تفسير الكشاف"(1/ 611): "الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل {إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، فجيء بالغاية إماطة لظنّ ظانّ يحسبها ممسوحة، لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة". اهـ.

وننبه السائل إلى أنه لا توجد قراءة بالرفع.

إذا تقرر هذا، فلا تعارض بين آية الوضوء وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القاضية بالغسل،، والله أعلم.