ما هي ضوابط الحكم على احد من المسلمين بالنفاق؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

احد من يدعون الانتساب للاسلام يقوم بالترحم على الهالكة نوال وقال ايضا ان الحجاب ليس واجبا و ان الايمان بالاخرة ليس واجبا و هو يكره عامة المسلمين ممن يبغضون الهالكة و قال انه سيتصدق عنها و يترحم عليها وانكر حق التعددية للرجل بل وانكر ان المراة عورة و انكر حديث صحيح عن قتل شاتم الرسول وانكر كفر الهالكة نوال وهو من منكري السنة العالمانيين فهل هو منافق ام ليس منافق مع العلم ان اتيته بالدلائل من القران على كل مسألة ذكرتها تقريبا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كان حال هذا الرجل كما ذكرت من أن الإيمان بالآخرة ليس واجبًا، وإنكار وجوب الحجاب، وغيرها فهو مرتدٌ عن الإسلام، لإنكاره المعلوم من الدين بالضرورة، ولعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وعدم اعتقاد تحريم الحرمات الظاهرة المتواترة.

 وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع، كما أن من القواعد الشرعية المقررة أن من لم يكفر الكافرين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم- كَفَرَ، وكذلك أجمع أهل العلم على كفر من جادل عن المشركين، أو استحسن منهجهم، أو لا يرى فيه بأساً، أو قال إن غير المسلمين يدخلون الجنة، ومن تردد في كفره كفر؛ لرد النصوص والإجماع.

إذا تقرر هذا فإن كان ذلك الرجل يعلم حال تلك المرأة وما هي عليه من الطعن في جميع الأديان السماوية –وليس الإسلام فقط- وتنقصها للشريعة، وإنكار العبادات، والطعن في القرآن الكريم، والقول بأن الشرائع انحازت للرجل على حساب المرأة، وغير ذلك مما هو كفر مجرد ويعلمه العامة والخاصة، وعدم تكفير الكافر المجمع على تكفيره كفر بالله تعالى، وردٌ للأخبار والإجماع، ولا يستثنى من تلك القاعدة إلا من عنده شبهة، ومن جهل حال بعض الكفار، فإنه يعذر في عدم تكفيره.

وقد قرر تلك القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه، منها "مجموع الفتاوى": 2 / 367 – 368 ]، لما سئل عن فصوص الحكم لابن عربي وغيره من المشركين، فقال:

"وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى؛ ولهذا يقولون بالحلول تارة وبالاتحاد أخرى وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه؛ فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين". اهـ.

وقال أيضًا في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 586):

"أما من اقترن بسبِّه دعوى أن عليًا إله، أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لاشك في كفره، بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره". اهـ.

وقد نهى الله تعالى عن المجادلة عن الكافر المعاند، فقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107].

أيضًا فإن محبة الكافرين من نواقض الإيمان، لأن الإيمان الواجب يمنع صاحبه من حب الكافر.

جاء في "مجموع الفتاوى" (7/ 16): "من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه، بحيث إذا كان الإنسان مؤمنا؛ لزم ذلك بغير قصد منه ولا تعمد له، وإذا لم يوجد؛ دل على أن الإيمان الواجب لم يحصل في القلب؛ وهذا كقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22].

فأخبر أنك لا تجد مؤمنًا يواد المحادين لله ورسوله؛ فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه؛ كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب، ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 80، 81]، فذكر "جملة شرطية " تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف "لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط؛ فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء، ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء؛ ما فعل الإيمان الواجب، من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه؛ ومثله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنًا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم؛ فالقرآن يصدق بعضه بعضا". اهـ.

فحب المؤمنين وبغض الكافرين، من أوثق عُرَى الإيمان، وآكَدِ أُصُول الدين، وهَدْمُ هذا الأصل في قلب المسلم هدم لتلك العقيدة، وترك ما يجِب على المؤمن من الأعمال، بل هو هَدم للإيمان كله، الذي هو مبنيٌّ على محبة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه؛ كما رَوَى أحمدُ عن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الموالاةُ في اللهِ، والمعَادَاةُ في اللهِ، والْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ))،، والله أعلم.