هل يحرم الاختلاء بالشاب الوسيم

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سمعت مؤخراً من بعض المشايخ عن حرمية الاختلاء بشاب وسيم خوفاً من ان يشتهي نكاحه وهذا قول العلامة ابن تيمية فهل هذا صحيح ؟ أقصد هل هناك حديث يدل على ذلك ؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن ما ثبت عن الأئمة وأهل العلم لا يتعلق بالنهي عن الخلوة بالشاب الوسيم، وإنما اتفق الأئمة على النهي عن الاختلاء بالفتى الأمرد، أو مضاجعته، أو المبيت معه، ومخادنته كما يفعل مع المرأة المتخذة خدنا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده على ما أحدثه بعض الصوفية من مصاحبة المردان- كما في "مجموع الفتاوى" (32/ 247-248):

"الصبي الأمرد المليح بمنزلة المرأة الأجنبية في كثير من الأمور، ولا يجوز تقبيله على وجه اللذة، بل لا يقبله إلا من يؤمن عليه: كالأب والإخوة، ولا يجوز النظر إليه على هذا الوجه باتفاق الناس، بل يحرم عند جمهورهم النظر إليه عند خوف ذلك، وإنما ينظر إليه لحاجة بلا ريبة، مثل معاملته والشهادة عليه، ونحو ذلك، كما ينظر إلى المرأة للحاجة... وقد روي عن المشايخ من التحذير عن صحبة " الأحداث " ما يطول وصفه، وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب؛ فإن " المردان " يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي فيها مضرة عليهم، وعلى من يصحبهم، وعلى المسلمين: بسوء الظن تارة، وبالشبهة أخرى؛ بل روي: أن رجلا كان يجلس إليه المردان فنهى عمر رضي الله عنه عن مجالسته، ولقي عمر بن الخطاب شابًا فقطع شعره؛ لميل بعض النساء إليه؛ مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه؛ والتفريق بينه وبين أهله". اهـ.

وسُئل أيضًا "مجموع الفتاوى" (11/ 542) عما أحدثه الفقراء المجردون والمطوعون من صحبة الشباب، ومؤاخاة النسوان والماجريات، وحط رءوسهم بين يدي بعضهم بعضا.. وإذا جاءهم أمرد فرضوا عليه أن يصحبه واحد منهم، ويطلبوا منه الصحبة هل يجوز ذلك؟ أو نُقل عن الصحابة؟

فأجاب:

"الحمد لله، أما صحبة المردان على وجه الاختصاص بأحدهم - كما يفعلونه - مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن، ومبيته مع الرجل، ونحو ذلك: فهذا من أفحش المنكرات عند المسلمين، وعند اليهود والنصارى وغيرهم؛ فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام ودين سائر الأمم بعد قوم لوط: تحريم الفاحشة اللوطية؛ ولهذا بين الله في كتابه أنه لم يفعلها قبل قوم لوط أحد من العالمين، وقد عذب الله المستحلين لها بعذاب ما عذبه أحدًا من الأمم، حيث طمس أبصارهم، وقلب مدائنهم، فجعل عاليها سافلها، وأتبعهم بالحجارة من السماء.

وقد اتفق المسلمون على أن من استحلها بمملوك أو غير مملوك فهو كافر مرتد، وكذلك مقدمات الفاحشة عند التلذذ بقبلة الأمرد ولمسه والنظر إليه، هو حرام باتفاق المسلمين، كما هو كذلك في المرأة الأجنبية؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"، فإذا كان المستحل لما حرم الله كافرًا فكيف بمن يجعله قربة وطريقا إلى الله تعالى؟.

إلى أن قال: مجموع الفتاوى (11/ 545)

"فلو كانت صحبة المردان  المذكورة خالية عن الفعل المحرم، فهي مظنة لذلك، وسبب له؛ ولهذا كان المشايخ العارفون بطريق الله يحذرون من ذلك؛ كما قال فتح الموصلي: أدركت ثلاثين من الأبدال كل ينهاني عند مفارقتي إياه عن صحبة الأحداث، وقال معروف الكرخي: كانوا ينهون عن ذلك، وقال بعض التابعين: ما أنا على الشاب الناسك من سبع يجلس إليه بأخوف مني عليه من حدث يجلس إليه، وقال سفيان الثوري وبشر الحافي: إن مع المرأة شيطانًا، ومع الحدث شيطانين، وقال بعضهم: ما سقط عبد من عين الله إلا ابتلاه الله بصحبة هؤلاء الأحداث، وقد دخل من فتنة الصور والأصوات على النساك ما لا يعلمه إلا الله، حتى اعترف أكابر الشيوخ بذلك، وتاب منهم من تداركه الله برحمته، ومعلوم أن هذا من باب اتباع الهوى بغير هدى من الله؛ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، ومن استحل ذلك أو اتخذه دينًا، كان ضالاً مضاهيًا للمشركين والنصارى، ومن فعله مع اعترافه بأنه ذنب أو معصية، كان عاصيًا أو فاسقًا".

أما ما يروى في هذا فلم ففي الغلام الصغير، وهو مع هذا مرسل لا يصح، كما روى الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيهم غلام ظاهر الوضاءة، أجلسه خلف ظهره؛ وقال: إنما كانت خطيئة داود عليه السلام النظر".

إذا تقرر هذا، فلا حرج من الاختلاء بالشاب الوسيم، ولم يرد حديث ينهى، ولم ينه عنه أحد من الآئمة فيما أعلم،  عن ذلك صحيح ولا ضعيف،  

هذا والله أعلم.