حكم إخراج زكاة الفطر بعد الصلاة بعذر

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم
آخِرَ 10 أيامٍ من شهرِ رمضانَ، مرضت أمي مرضَ الموت، و تُوُفِّيت بعدَ العيدِ في آخرِ رمضانَ.

لم أغادرِ البيتَ حتي إلى الشغلِ، أو المسجدِ لصلاةِ التراويحِ، بَقيتُ معها بجانبها؛ لرعايتها، وانشغلتُ معها في مرضها، ونسيتُ إخراجَ زكاةِ الفطرِ، ولم أتذكرْ أنِّي لم أُخرجْ زكاةَ الفطرِ، إلا بعد وفاةِ أُمي؛ فلا هي أخرجتْها؛ لمرضها، ولا أنا؛ لانشغالي معها، مع العلم أنَّ والدي متوفَّي، وأنا غيرُ متزوجةٍ، ولي أخٌ واحدٌ أصغرُ مني بسنةٍ، لكنْ علمُهُ بأمور الدين، سطحيةٌ، ولا يعرفُ أنَّ علينا زكاةَ فطرٍ أساسًا؛ فبالتالي لم يخرجْها هو الآخرُ.
أرجو منكم إبلاغي بحكمِ عدمِ إخراجي لها، وهل عليَّ كفارةٌ؟ أو هل يمكنُني إخراجُها كصدقةٍ الآنَ؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فزَكاةُ الفِطر واجبةٌ في قول عامة العلماء، وقد نَقَلَ ابْنُ المُنذِر الإجماعَ على وجوبها؛ ودلت السنة على أن وقتها يخرج بصلاة العيد؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: "فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - زكاة الفطر صاعًا من تَمْرٍ أَوْ صاعًا من شعيرٍ، على العبد والحُرّ، والذَّكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمَرَ بِها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة".

وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "زكاة الفطر طُهرةٌ لِلصائم من اللغو والرَّفث وطُعمةٌ للمساكين، مَنْ أدَّاها قبل الصلاة فَهِيَ زكاةٌ مقبولة ومَنْ أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقات"؛ رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصحَّحه، وصحَّحه الألبانِيُّ.

وذهب الجمهور إلى أنّها لا تسقط بخروج وقتها؛ لأنّها وجبت في ذمّة المكلف، فلا تسقط بخروج الوقت؛ كزكاة المال، وتصبح دَيْنًا لا يسقط إلاّ بالأداء، وحقّ اللّه في التّأخير عن وقتها، فلا يجبر إلاّ بالاستغفار والنّدامة، لمن تعمد.

قال الإمام النووي في المجموع: "وقال العبدري: أجمعوا على أن الأفضل أن يخرجها يوم الفطر قبل صلاة العيد...  ومذهبنا أنه لو أخرها عن صلاة الإمام وفعلها في يومه، لم يأثم وكانت أداء وإن أخرها عن يوم الفطر أثم، ولزمه إخراجها، وتكون قضاءً، وحكاه العبدرى عن مالك وأبى حنيفة والليث وأحمد، قال: وقال الحسن ابن زياد، وداود: إن لم يؤدها قبل صلاة العيد، سقطت فلا يؤديها بعدها؛ كالأضحية إذا مضي وقتها، وحكي ابن المنذر، وأصحابنا عن ابن سيرين والنخعي: أنه يجوز تأخيرها عن يوم الفطر".

قال الشَّيخُ ابْنُ عُثيمين - رحمه الله -: "يَحرم على الإنسان أن يؤخِّر زكاةَ الفِطْر عنْ صلاة العيد، فإن أخَّرها بِلا عُذْرٍ فهِيَ زكاةٌ غير مقبولة، وإن كان بِعُذْرٍ كمَن في السفر وليس عنده ما يُخرجه أو مَن يُخْرِج إليه، أو منِ اعتمد على أهله أن يُخرجوها واعْتَمَدُوا هم عليه، فذلك يُخْرِجُها متَى تيسَّر له ذلك، وإن كان بعد الصلاة ولا إثْمَ عليه؛ لأنه معذور". انتهى.

 وعليه فمن أخَّرَ زكاة الفطر حتى خرج وقتها لغيْرِ عُذرٍ أثِم ويجب عليه التوبة والاستغفار، وإخراجُها في أول أوقات التمكن؛ لأنَّ زكاةَ الفِطْر لا تَسْقُط إذا لم تُؤَدَّ في وقتها، فتبقى دَيْنٌ ثابتٌ لِلفقراء في ذِمَّته، وإن أخَّرها سنين كما قال الإمام مالك ذكره الموَّاق في "التاج والإكليل"، وليس لذلك كفارة محددة شرعًا، وأمَّا التأخير بعُذرٍ كما هو حال السائلة الكريمة وأمها فلا إثْم فيه - إن شاء الله تعالى – لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، ولقوْل النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رُفِع عن أمَّتي الخطأُ والنِّسيان وما استُكْرِهوا عليه))؛ رواه ابنُ ماجه، ويجب أداؤها،، والله أعلم.