هل للزوج الاعتراض على لبس زوجته وخروجها من البيت
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم في نقاش مع خطيبتي اللي علي وشك ان نتزوج اختلفنا على مبدأ طاعة الزوج في تغيير ملبسها للأفضل (طبعا أتحدث عن ما بعد الزواج) بعض الاحيان اري ان الملابس ضيقة من أماكن معينة وهي ترى أنها يجب ان تعدل ذلك من نفسها حين تشعر برغبة في ذلك ،ولا تعتقد ان للزوج الحق في التعديل عليها. وترى أيضاََ أنها تستطيع الخروج من المنزل بالشكل الذي تريده وفي الوقت الذي تريده. حاولت ان أشرح لها ان هذا مخالف للشرع ولكن لم نصل الى نتيجة جيدة فأريد ان اوصل لها هذه الفتوى.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فما تذكره تلك الفتاة هو من بقايا الجاهلية ومن ظنّ الجاهلية! فالحياة في نظرهم حركة بلا علة لها ولا هدف ولا غاية، إنما هي لهو ولعب، وزينة وتفاخر، ومتاع قريب من متاع الحيوان، أما الحياة من المنظور الإسلامي فهي أن يكون قدوم الإنسان إلى هذه الحياة وفق قدر يجري إلى غاية مقدرة، وأن ينتهي إلى حساب وجزاء، وأن تكون رحلته على هذه الأرض ابتلاء ينتهي إلى الحساب والجزاء، فلا تترك الإنسان سدى، ولا تدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب ناموسٍ وراءه هدف، ووراء الهدف حكمة تظهر التقدير والتدبير؛ قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36] أي: معطلاً مهملاً، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب؟ هذا حسبان باطل وظن بالله بغير ما يليق بحكمته؛ فالله تعالى لم يخلق الإنسان عبثًا بلا حكمة، تعالى الله وتقدس أن يخلق شيئًا بلا حكمة، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك؛ قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115، 116]، وإنما خلق الله الإنسان للعبادة، وإقامة أوامر الله عز وجل، ومن تلك الأوامر مسألة لباس المرأة المسلمة وخروجها من البيت، فوضع الله حدودًا وقيودًا وضوابط، فأوَجب على المرأة المُؤمِنة سترُ جميع بَدَنها؛ لأنَّ ظهور أي شيء مِن بدنها يعتبر فتنة؛ قال تعالى في كتابه العظيم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]؛ فبيَّن سبحانه أن الحجابَ أطهرُ للقلوب، وعدم الحجاب خطرٌ على قلوب الجميع، وقال الله جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].
والجلبابُ: ما تَضَعُه المرأة على رأسها وبدنها؛ حتى تَسْتُر به وجهها وبدنها، زيادة على ملابسها.
وقال سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور: 31]، وقال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورةٌ، فإذا خَرَجَت اسْتَشْرَفَها الشيطان))؛ رواه الترمذي.
فهذا هو الحجابُ الشرعي الذي يَحرُم التساهُل فيه، أو خلعُه أمام الأجانب، ويراجع الفتويين: "الحجاب الشرعي"، "هل الحجاب الشرعي هو الحجاب المشروع يعني الجلباب؟".
والتزامُ المرأة المتزوجة بالحجاب الشرعي الصحيح ليس شأنًا خاصًّا بها وحدها كما تردده فتيات اليوم، وإنما هو مُرتبِطٌ بزوجها أيضًا، ولا يجوز له التقصيرُ في أمرها بذلك؛ وإلا كان مفرطًا في المسؤولية الشرعية؛ فأولُ واجبات القِيَم وربِّ الأسرة هو تَهْذيب زوجتِه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، قال مجاهد: "أَوْصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدِّبوهم"، وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، فقَوَامةُ الرَّجل على المرأة تَقْتَضي أن يَحُول بينها وبين عذاب الله، وهذا ليس بالأمر الهَيِّن، بل هي تَبِعَة ثقيلة رهيبة.
وفي الصحيحين عن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجلُ راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول))، فحَمَّلَ الله المؤمنين تَبِعة أهليهم، كما يُحمِّلهم تَبِعة أنفسِهم، وما يتطلَّبه مِن الجهد والاهتمام البالغ.
كما أن تقصير الزوج في مراعاة ضوابط الحجاب يوقعه في الدياثة، وهي نقيض الغيرة التي هي مِن الغرائز البشرية المحمودة التي أودَعَهَا اللهُ في الإنسان، وتَظهَر كلَّما أحسَّ شركة الغير في حقِّه بلا اختيار منه، ومَن لا يغار فقلبُه مَنكوسٌ لا خيرَ فيه، وهي مِن الأخلاق التي يحبُّها الله، فأقوى الناس دينًا أعظمُهم غَيرةً، وفي الصحيحين قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف: ((يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ)).
وفي الصحيح أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ)).
كما أوجب الله على جميع المسلمين اتِّباع شَرْعه برضًا وطواعية، ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى، وخوفًا من عقابه، لا اتِّباع الأهواءِ والعادات التي لم يُشَرِّعها الله سبحانه، ولذلك أجمع العلماء على أن من شروط الإيمان الاستسلام لله تعالى والانقياد لشَرْعه؛ قال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال سبحانه تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، فما أمَرَ الله به لا يُترَك لقول أحدٍ مِن البشر كائنًا مَن كان؛ وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فالاحتكام إلى منهج الله في كتاب ليس نافلة ولا تطوعًا ولا موضع اختيار، إنما هو الإيمان بالله، فلا ينبغي ولا يليق ممن اتصف بالإيمان معارضة أمر الله ورسوله، وترك الصراط المستقيم الموصلة إلى كرامة الله إلى غيرها من الطرق الموصلة للعذاب الأليم، بل الواجب الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، والعاقل لا يجعل بعض أهواء نفسه حجابًا بينه وبين أمر الله ورسوله؛ قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].
فاستمِرَّ في مُناصَحتها، وارفُقْ بها؛ فبالكلمةُ الطيبة والموعِظة الحسنة تتحقَّق المَصلحةُ إن شاء الله، وبيِّن لها أن خاصة الإسلام أنه يُصحِّح عادات المسلم السيئة، ويَنقلها للأحسن، وأن المسلم ليس له الاختيار فيما فَرَضَه اللهُ تعالى عليه، فإن أصرت على ذلك فابحث عن صاحبة الدِّين؛ لأن الزوجة تطول صحبتُها، ولذلك حضّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على التَّمسُّك بصاحبة الدِّين، وجعله نِهاية المطْلوب وغاية البغية؛ فقال فيما رواه الشَّيخان عن أبي هُرَيرة، رضي الله عنه -: ((فاظْفَر بذات الدِّين ترِبَتْ يداك))،، والله أعلم.