كفارة عدم الوفاء بنذر للتخلص من العادة السرية

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قبل عشر سنين، في محاولة للتوقف عن الاستمناء، نذرت أنه كلما استمنيت، يجب أن أصوم ثلاثة ايام متتابعات. المشكلة أني لم أستطع التوقف، و لم أستطع الصوم و الوفاء بنذري. و بعد مدة استسلمت. الآن الحمد لله، تُبت. و أرغب في التكفير عن خطيئة عدم الوفاء بالنذر. فهمت من فتاوى أخرى أن نوع هذا النذر يكفر عنه بكفارة اليمين. سؤالي هو، ما دمت قلت "كلما استمنيت" ، فهل كفارة واحدة تكفي؟ لا أستطيع تذكر و لا يمكن أن أجزم بعدد المرات التي استمنيت فيها طوال هذه المدة. أرجوكم ساعدوني لمعرفة كفارة ذنبي. جزاكم الله خيرا.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرت أنك الزمت نفسك بالصوم ثلاثة أيام عند فعل العادة السرية، فليس هذا هو نذر التبرر والتقرب الذي يجب الوفاء به؛ لأن الأمور بمقاصدها، ومقصود الناذر ليس البر والتقرب إلى الله، وإنما قصده منع النفس من فعل تلك المعصية، وأنت تكره الشرط وتكره الجزاء وإن وقع الشرط، وهذا ما يعرف قطعًا أنه لا يريد الالتزام بالصوم وإن وجد الشرط، فهذا هو الحالف، ويعرف أيضًا عند الفقهاء بنذر اللجاج والغضب، حيث يعلق الجزاء بالشرط ليمتنع وجودهما؛ للحث على فعل شيء، أو ترك شيء، غير قاصد للقربة أصلاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (33/ 199):

 "فنذر التبرر مثل أن يكون مقصود الناذر حصول الشرط، ويلتزم فعل الجزاء شكرًا لله تعالى؛ كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا أو نحو ذلك، فهذا النذر عليه أن يوفي به؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه))؛ رواه البخاري، . وأما نذر اللجاج والغضب فقصد الناذر أن لا يكون الشرط ولا الجزاء، مثل أن يقال له: سافر مع فلان فيقول: إن سافرت فعلي صوم كذا وكذا، أو علي الحج، فمقصوده أن لا يفعل الشرط ولا الجزاء، وكما لو قال: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا، أو إن فعل كذا فهو كافر ونحو ذلك؛ فإن الأئمة متفقون على أنه إذا وجد الشرط فلا يكفر بل عليه كفارة يمين عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه، وعند مالك والشافعي لا شيء عليه... فطائفة من الفقهاء نظروا إلى لفظ الناذر فقالوا: قد علق الحكم بشرط فيجب وجوده عند وجود الشرط، ولم يفرقوا بين "نذر اللجاج" و "نذر التبرر"،  وأما الصحابة وجمهور السلف والمحققون فقالوا: الاعتبار بمعنى اللفظ، والمشترط هنا قصده وجود الشرط والجزاء، وهناك قصده ألا يكون هذا ولا هذا؛ ولهذا يحلف بصيغة الشرط تارة، وبصيغة القسم أخرى مثل أن يقول: علي الحج لأفعلن كذا، أو لا فعلت كذا أو علي العتق إن فعلت كذا أو لا فعلت كذا". اهـ.

 وجاء في "المجموع شرح المهذب (8/ 459) للإمام النووي: "نذر اللِّجاج والغضب: وهو أن يمنع نفسه من فعل، أو يحثها عليه بتعليق التزام قربة بالفعل أو بالترك، ويقال فيه: يمين اللِّجاج والغضب، ويقال له - أيضًا -: يمين الغَلَق، ويقال - أيضًا -: نذر الغَلَق - بفتح الغين المعجمة واللام - فإذا قال: إن كلمت فلانًا، أو إن دخلت الدار، أو إن لم أخرج من البلد، فلله عليَّ صوم شهر، أو حج أو عتق أو صلاة، ونحو ذلك، ثم كلمه، أو دخل، أو لم يخرج، ففيما يلزمه خمسة طرق: جمعها الرافعي قال: أشهرها على ثلاثة أقوال:

 (أحدها): يلزمه الوفاء بما التزم.

(والثاني): يلزمه كفارة يمين.

(والثالث): يتخير بينهما.

   على أن قال: قلت: والأصح: التخيير بين ما التزم، وكفارة اليمين؛ كما رجحه المصنف، وسائر العراقيين". اهـ.

وعليه، فيجب عليك كفارة يمين للحنث عن اليمين ووقوع الشرط؛ لأن العبارة وإن خرجت مخرج النذر، إلا أنها يمين معنى؛ وقاعدة الشريعة: أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبادات، كما هي معتبره في التقربات والعبادات، قاله العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين"، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بلفظ "الأمور بمقاصدها".

أما تكرارا الكفارة فلا يجب؛ لأن الكفارة تجب مرة واحدة، ولا تكرر إلا إذا عقد اليمين مرة ثانية بعد الكفارة،، والله أعلم.