شرح مفصل لطلب الخلع لزوجة السجين
خالد عبد المنعم الرفاعي
أخت سورية متزوجة وزوجها أُسر ولا تعرف متى يخرج لأنه عراقي ولا يوجد أي وسيلة للإتصال معه وتعلم أن سجن المسلمين الذين من العراق يفوق العشرة سنوات فأكثر هل لها أن تخلعه وكيف تخلعه إذا لا يوجد محاكم شرعة عندنا .
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد سبق أن بينا أنه يجوز لزوجة السجين طلب الخلع إن كانت تضرر بذلك، ولا تستطيع الصبر، كما في فتوى: " هل للزوجته الطلاق إذا حبس الزوج وهل له أن يردها".
فالخَلْعُ شرعه الله تعالى لرفع الضرر، قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في مجموع الفتاوى (32/ 282): "الخُلْع الذي جاء به الكتابُ والسُّنَّة أن تكونَ المرأةُ كارهةً للزوج، تُريد فراقه، فتعطيه الصَّداق أو بعضه فداءَ نفسها، كما يَفتدى الأسيرُ، وأما إذا كان كلٌّ منهما مُريدًا لصاحبه، فهذا الخُلع مُحْدَثٌ في الإسلام".
وقال أيضًا: "إذا كانتْ مُبْغِضَةً له، مختارةً لفراقه، فإنها تفتدي نفسها منه، فتَرُدُّ إليه ما أَخَذَتْهُ مِن الصداق، وتُبريه مما في ذمتِه، ويخلعها كما في الكتاب والسُّنة، واتَّفَقَ عليه الأئمةُ".
أما التَّحاكُم للمحاكم الوضعيَّة الموجودة في تلك البلاد، والتي لا تحكم بشرْع الله في أي شأن من شؤون حياتِهم، ومنها الأحوال الشخصيَّة - الحياة الزوجيَّة – فلا يجوز إلا إذا دعت الضرورة الملجئة، فللزَّوجة أن ترفع القضيَّة للمحكمة الوضعيَّة؛ لإزالة الضَّرر عنها؛ لأنَّ علماء العصْر - ومنهم الشيخ ابن عثيمين - أجازوا التَّحاكُم لتلك القوانين عند الاضطِرار؛ لرفع الظلم، شرط أن يتحاكم إليْها وهو كاره، مضطرّ إلى ذلك، وأن يأخُذ حقَّه فقط، ولا يزيد عليه.
كما أن الحاجة تنزل منزلة الضَّرورة، والضَّرورات تبيح المحظورات؛ قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، طالما الضرر لا يرفع إلاَّ بهذه الطريقة.
إن تعذر وجود محكمة تحكم بالخلع أو الطلاق للضرر، فلترفع أمرها لحكمين من علماء الشَّريعة الإسلامية، بشرط أن يكونا قادرين على الحكم في تلك القضايا، وتنظر في أسباب الخلع، وإذا ثبتتْ عندها الأسباب الموجِبة للطَّلاق للضرر أو الخلع، حكما به.
مجموع الفتاوى (33/ 16): "والإلزام بالفرقة لمن لم يقم بالواجب: مما يسوغ فيه الاجتهاد؛ لكن تارة يكون حقا للمرأة، كما في العنين والمولى عند جمهور العلماء، والعاجز عن النفقة عند من يقول به، وتارة يقال: إنه حق لله كما في تفريق الحكمين بين الزوجين عند الأكثرين إذا لم يُجعلا وكيلين، وكما في وقوع الطلاق بالمولى عند من يقول بذلك من السلف والخلف إذا لم يف في مدة التربص، وكما قال من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيره: إنهما إذا تطاوعا في الإتيان في الدبر فرق بينهما، والأب الصالح إذا أمر ابنه بالطلاق لما رآه من مصلحة الولد، فعليه أن يطيعه كما قال أحمد وغيره؛ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يطيع أباه لما أمره أبوه بطلاق امرأته.
وقال أيضًا (35/ 386): "والله سبحانه لم يرض بحَكَمٍ واحد بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما فإنه لا يعلم أيهما الظالم، وليس بينهما بينة، بل أمر بحكمين، وألا يكونا متهمين؛ بل حكمًا من أهل الرجل وحكمًا من أهل المرأة؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} [النساء: 35] أي الحكمين {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} أي بين الزوجين، فإن رأيا المصلحة أن يجمعا بين الزوجين جمعا، وإن رأيا المصلحة أن يفرقا بينهما فرقا، إما بعوض تبذله المرأة فتكون الفرقة خلعًا إن كانت هي الظالمة، وإن كان الزوج هو الظالم فرق بينهما بغير اختياره، وأكثر العلماء على أن هذين حكمان كما سماهما الله حكمين يحكمان بغير توكيل الزوجين، وهذا قول مالك والشافعي والإمام أحمد في أحد قوليهما، وقيل هما وكيلان كقول أبي حنيفة والقول الآخر في المذهبين". اهـ.
هذا؛ والله أعلم