شبح العلاقة المحرمة يلاحقني

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم، فتاة كانت على علاقة مع شاب و بعدها تابت لله توبة نصوحة و تزوجت فيما بعد غير أن شبح تلك العلاقة المحرمة يلاحقها، فرغم توبتها و ندمها الشديد و عدم عودتها لتلك المحرمات و خدمتها لزوجها لكن تأتيها أفكار لو يكون ذلك الشاب صورها خلال تقبيلها وملامسة أعضاء جسدها بدون أن تنزع ملابسها في مرة فقط، و يقوم بنشرها و تفضح. علما أنها لم تراه يصورها إنها تشك فقط، فهي تعيش حالة من الخوف و القلق الدائم. هل الله يسترها بعد توبتها و تقواها لله؟ اذاكان بالفعل صورها هل يمكن ان يضع الله سببا ليمسح ذلك؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالحمد الله الذي مَنَّ عليك بالتوبة النصوح وطي تلك الصفحة من حياتك، والرجوع إلى الله عما وقعت فيه بسبب الضعف، وأبشري بفضل الرب تبارك وتعالى وجوده، والله تعالى يحب التوابين، والتوبة من أحب الطاعات إليه، ومن أعظم البشريات النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن: "التائبُ مِن الذنب كمَن لا ذنب له".

، وكوني على ثقة تامة من كرمه سبحانه وستره، وأحسني الظن بالله تعالى؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي"، يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به، والمحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده، ويقبل توبته ويستره؛ ففي سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ"، فكل من رجا رحمة الله وستره، ستره الله.

ولا شك أن تلك الخطرات التي تنتابك من خوف الفضيحة هي محض وسوسة من الشيطان، حتى ينسيك كرم الله وجواده، أنه سبحانه محسن ودود وصبور شكور، يطاع فيشكر ويعصى فيغفر، لا أَحد أصبر على أَذى سمعه منه سبحانه، ولا أحب إليه العذر منه، ولا أحد أحب إليه الإحسان منه، ويغفر لمن تاب ولو بلغت ذنوبه عدد الآمواج والحصى والتراب والرمال، وضمن الكتاب الذى كتبه إن رحمته تغلب غضبه.

والعبرة في الإنسان بما هو عليه الآن من التوبة والطاعة، وليس بما كان عليه من المعصية، وهذا أصل أصيل، بل هو من سنن الله في عباده.

 قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يرسخ ذلك ال في كتابه "منهاج السنة النبوية" (2/ 429-433): "... وإذا عُرِفَ أنَّ أولياء الله يكون الرجلُ منهم قد أسلم بعد كفره، وآمَن بعدَ نفاقه، وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضلُ أولياء الله مِن هذه الأمة - وهم السابقون الأولون.

والإنسانُ يَنتقل مِن نقصٍ إلى كمالٍ، فلا يُنظر إلى نقص البداية، ولكن يُنظر إلى كمال النهاية... إلى أن قال: ولهذا قال بعضُ السلَف: إن العبدَ ليفعل الذنب فيَدْخُل به الجنة.

وإذا ابتُلِيَ العبدُ بالذنب، وقد علم أنه سيتوب منه ويتَجَنَّبه، ففي ذلك مِن حكمة الله ورحمته بعبده أن ذلك يَزيده عبوديةً وتواضعًا وخُشوعًا وذلًّا ورغبةً في كثرة الأعمال الصالحة، ونفرةً قويةً عن السيئات؛ فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُلدغ المؤمن مِن جحر مرتين"، وذلك أيضًا يدفع عنه العُجب والخُيلاء، ونحو ذلك مما يعرض للإنسان، وهو أيضًا يُوجب الرحمة لخلْقِ الله، ورجاء التوبة والرحمة لهم إذا أذنبوا، وترغيبهم في التوبة.

... وقد تكون التوبةُ موجبةً له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله (تائبًا) مِن الذنب، كما في الصحيحين من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين أنزل الله فيهم:

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، ثم قال: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، وإذا ذُكِرَ حديثُ كعب في قضية تَبيَّن أن الله رفَع درجته بالتوبة، ولهذا قال: فوالله ما أعلم أحدًا ابتلاه الله بصدق الحديث أعظم مما ابتلاني.

وكذلك قال بعضُ مَن كان من أشدِّ الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسُهيل بنِ عمرو، والحارثِ بن هشام، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان مِن أشد الكفار هجاءً وإيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما تاب وأسلم كان مِن أحسنَ الناس إسلامًا، وأشدهم حياءً، وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحارث بن هشام، قال الحارث: ما نطقتُ بخطيئة منذ أسلمتُ". مختصرًا.

هذا؛ والله أعلم.

 

واقطعْ خطرات الشيطان ووساوسه، وكن على يقين بكرم الله وجوده وستره، وابشر بالخير فإن عاقبة الاستقامة الذكرُ الحسن، والثناء الجميل، وليس هتك الستر والفضيحة، كما في حديث أبي ذر، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن".

فأكثر مِن فعل الطاعات والأعمال الصالحة، فالحسناتُ ماحياتٌ للذنوب كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114، 115]، وقال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعةُ إلى الجمعةُ، ورمضان إلى رمضان، مُكفراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر"، رواه مسلم، وقال: "مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه"، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جدًّا،، والله أعلم.