حكم التكاسل عن الصلاة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

 انا نمت ثم استيقظت عند صلاة الظهر وكان يجب علي ان اغتسل لانني شاهدت الحرام ثم نمت ثم استيقظت بعد اذان الظهر ب ٥ دقايق تقريباً ثم رجعت لانام ثم استيقظت بعد صلاة العصر ثم اغتسل واصلي الظهر والعصر وقد يكون نومي احياناً الى بعد المغرب فما حكم تكاسلي عن اداء الصلوات مع العلم انني استغل ذلك بان انام وانوي الاستيقاظ قبل صلاة العصر بنصف ساعة لكي اغتسل ثم اصلي بسرعة وايضاً انا اكون مرهقا قليلاً عندما احاول الاستيقاظ من النوم ماحكم التكاسل عن اداء الصلوات دائماً للموسوس؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فَقَدِ اتفقَ أهل العلم عَلَى أن المُحَافَظَةَ عَلَى وقتِ الصَّلَاةِ من أهم شُرُوطِهَا التي لا يَجُوزُ الإخلالُ بها، وأجمعوا أيضًا عَلَى مشروعيةِ التَّسَامُحِ في بعض شُرُوط الصلاة، أو أركانها؛ من أجل الحِفَاظِ عَلَى وَقْتِ الصلاة، فلا يَجُوزُ إخراجُ الصَلَاةٍ عن وقتها بحالٍ، وقد نَقَلَ ابنُ القيم - رحمه الله - في أول كتاب الصلاة إجماعَ المُسلمين عَلَى أنَّ تَرْكَ الصلاةِ الواحِدَةِ المَفْرُوضَةِ حتى يَخْرُجَ وقتُها إثمٌ عظيمٌ أعظمُ مِنَ الزِّنَا، والسَّرِقَةِ، وشُرْبِ الخَمْرِ، وقَتْلِ النفس.

والله تعالى جعل للصلاة أوقات مخصوصة وتوعد بالعذاب الأليم من أخرها عن وقتها؛ وقد عقد الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه " تعظيم قدر الصلاة" (1/ 118-125)، بابًا في الوعيد على من أضاعها، فقال: "ثم توعد بالعذاب من أضاعها أو سها عنها فصلاها في غير وقتها أو رايًا بها؛ فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، ثم روى بإسناده عن عبد الله، في هذه الآية {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قال: "نهر في جهنم خبيث الطعم، بعيد القعر".

وروى عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفًا، ثم تنتهي إلى غي وأثام"، فقلت: ما غي وأثام؟ قال: "بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم، فهذا الذي ذكر الله في كتابه: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، و {أَثَامًا}[الفرقان: 68].

ثم روى عن القاسم بن مخيمرة، {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}، قال: أضاعوها عن مواقيتها".

 وروى بإسناده عمر بن عبد العزيز: "لم يكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا المواقيت".

وقال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، وروى عن سعد بن أبي وقاص، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الآية، قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها".

وروى عن مصعب بن سعد، قال: قلت لأبي: يا أبتاه، أرأيت قول الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذلك، ولكنه إضاعة الوقت". اهـ. مختصرًا.

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (26 / 232): "لَا يُؤَخِّرُ الْعِبَادَةَ عَنْ الْوَقْتِ، بَلْ يَفْعَلُهَا فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ لِلْمَعْذُورِ فِي الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتَانِ: وَقْتٌ مُخْتَصٌّ لِأَهْلِ الرَّفَاهِيَةِ، وَوَقْتٌ مُشْتَرَكٌ لِأَهْلِ الْأَعْذَارِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ صَلَّاهُمَا فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ، لَمْ يُفَوِّتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَلَا قَدَّمَهَا عَلَى الْوَقْتِ الْمُجْزِئِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ". اهـ.

وقال أيضًا: "فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة، ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فإن كان محدثًا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله، تيمم وصلى، وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء، أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانًا، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها، فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدًا أو على جنب، إذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يصلي بعد خروج الوقت قائمًا؛ وهذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، كما أن صيام شهر رمضان واجب في وقته، ليس لأحد أن يؤخره عن وقته". اهـ. 

أما النوم فليس عذرًا لإضاعة الصلاة عن وقتها، إلا إذا غلب الإنسان؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان: "يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها"؛ متفق عليه، والحكمة في ذلك هو الحفاظ على وقت الصلاة حتى لا يخرج وقت العشاء، والنهي عن الحديث بعده حتى لا يضيع وقت الفجر، وعن ابن مسعود قال: "جدب لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السمر بعد العشاء"؛ رواه ابن ماجه، وقال: جدب: يعني زجرنا عنه، نهانا عنه.

وروى البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات غداة: "إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى... قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة"، الحديثَ.

قال النووي في "شرح مسلم" (5/ 146): "قال العلماء وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم، أو لفوات وقتها المختار والأفضل؛ ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة، وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل، أو الذكر فيه، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار أو الأفضل؛ ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات، ومصالح الدنيا". اهـ.

وقد دلت السنة المشرفة على أن إخراج صلاة العصر بمفردها عن وقتها محبط للعمل؛ ففي "صحيح البخاري" عن بريدة قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله"، وحبوط العمل لا يكون إلا بالكفر الأكبر، المخرج من الملة؛ كما قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].

بل إن مجرد تأخير العصر إلى بعد اصفرار الشمس وإلى دنوها من الغروب محرم، ومن أعمال أهل النفاق؛ ففي "الصحيح" عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا".

إذا تقرر هذا؛ فالواجب عليك أن تتخذ الوسائل التي تعينك على القيام لصلاة، مع تقوية الرغبة فيما عند الله تعالى من ثواب، لمن أدى الصلوات في أوقاتها؛ ففي الصحيحين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلَّى البردين دخل الجنة))، والبردان: الصبح والعصر.

والصلاة أحسن ما يصنع المسلم، وهي أول ما ينظر فيه من أعمال المسلم يوم القيامة؛ فإن حافظ عليها فاز وربح، وإن ضيعها خاب وخسر، وشأنها شأن كلمة التوحيد فلا تسقط عن أحد قط مهما بلغ مرضه وانشغاله إلا بالموت أو ذهاب العقل، وهي عماد الدين، ومتى وقع عمود الخيمة سقطت جميعها، ولم ينتفع بها؛ كما روى أحمد وغيره عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد".

 وقد شدد تبارك وتعالى الوعيد في شأنها، حتى علق سبحانه وتعالى الأخوة الإيمانية على التوبة من الشرك، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛ فقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11]،، والله أعلم.