حكم التوبة لمن يتيقن انه سيعود الى الذنب
خالد عبد المنعم الرفاعي
تاب لعل الله يرحمه قبل ان يموت لكنه يتيقن بأنه سيفعل المعصية ولو كان بعد اسبوعين تقريبا ولهذا السبب لم يتب فهل يجوز التوبة بهذه الحال وهل يكفر المرء اذا فعل ذلك والعياذ بالله ام لا
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن حقيقة التَّوبة هي تَرْكُ الذَّنْبِ والنَّدمُ على ما سَبَقَ، والعَزْمُ على عدم العود إليه؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8]، والتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وهي واجبة على كل مسلم، ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد وجبت التوبة عليه، فإن تاب تاب الله عليه أيضا، ولا يجوز الإصرار وإن عاد في اليوم مائة مرة.
ففي الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: "أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك"، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: "اعمل ما شئت"، وفي رواية "قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء".
فالواجب على من وقع في ذنب ألا يصر عليه، بل يتوب؛ وقد وصف تعالى عباده المتقين بالتوبة وترك الإصرار عليها فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"(1/ 283-284):
"إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه: فهذا ترجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه؛ لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له، وأنه يرى كل وقت ما لا صبر له عليه، فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه خائف، مختلج في صدره شهوة النفس الذنبَ وكراهة الايمان له، فهو يجيب داعي النفس تارة وداعي الايمان تارات.
فأما من بنى امره على ان لا يقف عن ذنب، ولا يقدم خوفًا، ولا يدع لله شهوة، وهو فرح مسرور يضحك ظهرًا لبطن إذ ظفر بالذنب: فهذا الذي يخاف عليه ان يحال بينه وبين التوبة ولا يوفق لها". اهـ.
وجاء في "جامع الرسائل" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 290):
"إذا كان أصل الإيمان صحيحًا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغضٌ لها، وفيه خوفٌ من عقاب الله عليها، وفيه رجاءٌ لأن يخلص من عقابها إما بتوبة وإما حسنات وإما عفو وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها ولم يرج رحمته فهذا لا يكون مؤمنًا بحال، بل هو كافر أو منافق". اهـ.
إذا تقرر هذا، فالتوبة واجبة بشروطها حتى وإن غلب على الظن أو تيقن من الرجوع للذنب، مع مجاهدة النفس على إخراج الشهوة من القلب، والمحافظة على العمل الصالح،، والله أعلم.