التلقيح وكشف العورة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله بركاته ، لو سمحتم هل يجيز لي التلقيح أن أكشف عن ذراعي للممرضة علما أنني فتاة وأعتقد أن الذراع عورة حتى أمام النساء والمحارم فهل هذا صحيح ؟وجزاكم الله عنا خيرا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

 فقد اختلف الفقهاء في عورة المرأة بالنسبة للمرأة المسلمة، وحكم نظر كل منهما للأخرى على قولين:

القول الأول: مذهبُ جمهورِ الفُقهاء: أن عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة، كعورة الرجل إلى الرجل، وهي بين السرة والركبة؛ كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: (ما بين السرة والركبة عور)؛ رواه أحمد أبو داود وهذا القول هو الراجح عند الحنفية، وهو قول المالكية - في المشهور - والشافعيةِ في - المعتمد - والحنابلةِ؛ واحتجوا بما رواه مسلمٌ عن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: (لا ينظرُ الرجلُ إلى عورةِ الرجل، ولا المرأةُ إلى عورةِ المرأة، ولا يُفضِي الرجلُ إلى الرجلِ في ثوبٍ واحد، ولا تُفضِي المرأةُ إلى المرأةِ في الثوبِ الواحد)، فنهى صلى الله عليه وسلم ألا يضطجعان متجردين تحت ثوب واحد، ولما بين رسول الله أن عورة الرجل بالنسبة للرجل، بين السرة والركبة، فيقاس نَظَر المرأةِ لعورة المرأة عَلَى نَظَر الرجلِ إلى الرجلِ؛ بجامعِ اتِّحاد الجنس، ولأمن الفتنة، ولأن اتحاد الجنس يوجب عدمِ الخوف من الشهوة، لأن عندها ما عند أختها، وهذا القول هو الأقوى من جهة الأثر والنظر  

قال السرخسي الحنفي في "المبسوط" (10/ 147):  

"وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، حَتَّى لا يُبَاحَ لَهَا النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا، وَبَطْنِهَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله تعالى عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى النِّسَاءَ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ بِمِئْزَرٍ، وَبِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: امْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ، إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ، وَلْتَدْخُلْ مُسْتَتِرَةً، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ: مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَبِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ، وَبِهِ نَقُولُ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ، وَتَمْكِينِهِنَّ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا، وَحَاجَةُ النِّسَاءِ إلَى دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ فَوْقَ حَاجَةِ الرِّجَالِ؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الزِّينَةِ، وَالْمَرْأَةُ إلَى هَذَا أَحْوَجُ مِنْ الرَّجُلِ، وَيَتَمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنْ الاغْتِسَالِ فِي الأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ، وَالْمَرْأَةُ لا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ". اهـ.

وجاء في "بدائع الصنائع" (6/2961):  "... فَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى سَائِرِ جَسَدِهَا، إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ خَوْفُ الشَّهْوَةِ وَالْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ؛ كَمَا لَيْسَ ذَلِكَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، حَتَّى لَوْ خَافَتْ ذَلِكَ تَجْتَنِبُ عَنْ النَّظَرِ كَمَا فِي الرَّجُلِ، وَلا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى الرُّكْبَةِ، إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ بِأَنْ كَانَتْ قَابِلَةً، فَلا بَأْسَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ عِنْدَ الْوِلادَةِ". اهـ.

جاء في كتاب "المقدمات الممهدات" (3/ 435) لأبي الوليد بن رشد المالكي "والنساء في هذا بمنزلة الرجال – أي في دخول الحمام - هذا هو الذي يوجبه النظر؛ لأن المرأة لا يجوز لها أن تنظر من المرأة إلا ما يجوز أن ينظره الرجل من الرجل... وذكر حديثي أبي سعيد الخدري وأبي هريرة السابقين، ثم قال: "وقد أجمع أهل العلم فيما علمت أن النساء يغسلن المرأة الميتة، كما يغسل الرجلُ الرجلَ الميت، ولم يختلفوا في ذلك". اهـ.

وجاء في "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" (3 / 130) في الفقه الشافهي": "(والمرأة مع امرأة كرجل ورجل)؛ الشرح: (والمرأة) البالغة؛ حكمها (مع امرأةٍ) مثلِها في النظر؛ (كرجل)؛ أي: كنظر رجلٍ (ورجل) فيما سبق، فيجوز مع الأمن، ما عدا ما بين السرة والركبة، ويحرم مع الشهوة، وخوف الفتنة". اهـ.

وجاء في في "الإنصاف" (8/24) في الفقه الحنبلي (7 / 105):

 "قوله: (وللمرأة مع المرأة, والرجلِ مع الرجل؛ النظرُ إلى ما عدا ما بين السرة والركبة)؛ يجوز للمرأة المسلمة النظرُ من المرأة المسلمة إلى ما عدا ما بين السرة والركبة؛ جزم به في "الهداية", و"المذهب", و"المستوعب", و"الخلاصة", والمصنف - هنا - وصاحب "الرعاية الصغرى", و"الحاوي الصغير", و"الوجيز", و"شرح ابن منجا", وغيرهم، وقدمه في "الرعاية الكبرى"؛ والصحيح من المذهب: أنها لا تنظرُ منها إلا إلى غير العورة، وجزم به في "المحرر", و"النظم", و"الفروع", و"الفائق", و"المنور"، ولعل من قطع - أولًا - أراد هذا، لكنَّ صاحب "الرعاية" غاير بين القولين؛ وهو الظاهر". اهـ.

القولُ الثاني: أن المرأة المسلمة يَحِلُّ لها أن تنظرَ من المرأة إلى ما يَحِلُّ للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه؛ فلا يُباح له النظرُ إلى ظهرِها، وبطنِها، وإنما تنظُر "إلَى الْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ، وَالصَّدْرِ، وَالسَّاقَيْنِ، وَالْعَضُدَيْنِ، وَلا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا، وَبَطْنِهَا، وَفَخِذِهَا ... وَالْمُرَادُ - وَاَللهُ أَعْلَمُ - مَوَاضِعُ الزِّينَةِ؛ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ, وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّاعِدُ، وَالأُذُنُ، وَالْعُنُقُ، وَالْقَدَمُ; لأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ, بِخِلافِ الظَّهْرِ، وَالْبَطْنِ، وَالْفَخِذِ; لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ"؛ كما في "الهداية" مع تكملة "فتح القدير" (8/103، 104)؛ وهذا القولُ روايةٌ عن أبي حنيفة، وقولٌ مرجوحٌ عند الحنفية، والراجح - عندهم - ما قدمناه.

واستدل بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنها ستُفتَح لكم أرضُ العَجَم، وستجدون فيها بيوتًا يقال لها: الحمامات؛ فلا يدخلنَّها الرجالُ، إلَّا بالأُزُرِ، وامنعوها النساء، إلَّا مريضةً أو نُفَساء)).

إذا تقرر هذا، فعلا كلا القولين يجوز للمرأة أن تنظر إلى ذراع المرأة، وإعطائها التلقيح،، والله أعلم.