هل الأَشَاعِرَة من جملة أهل السنّة
خالد عبد المنعم الرفاعي
هل الأَشَاعِرَة من الفِرَقِ الضَّالَّةِ - أعنى الفرق النارية - أم هم من جُملة أهل السنّة والجماعة والفرقة الناجية، ولكنهم ليسوا منهم في بعض الأشياء ؟
أريد جواباً، بارك الله فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأَشَاعِرَة فِرْقَةٌ كلامية منحرفة وليست على منهج أهل السنة والجماعة، وتنسب إلى أبي الحسن الأشعري في مرحلته الثانية، التي خرج فيها على المعتزلة، ودعا فيها إلى التَّمَسُّك بالكتابِ والسُّنَّةِ، على طريقة ابن كلاب؛ فهي الأساس في آرائه الكلامية.
فتُثْبِتُ لله تعالى ما يسمونها بالصفات العقلية السبع، التي يحكم العقل بوجوبه دون تَوَقف على الوحي - عندهم - وهي: (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام)، ونفوا الصفات الاختيارية المُتَعَلِّقَةِ بالمَشِيئَةِ من الرِّضَا والغَضَبِ والفرح والمجيء والنزول، أما ما عدا ذلك من الصفات الخبرية التي دل عليها الكتاب والسنة؛ كالوجه واليدين والعين واليمين والقدم والأصابع، وكذلك صفتي العلوِّ والاستواءِ – فيحرفونها بما يسمونه تأويلا، وذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها. وكذلك شمل التأويل أكثر نصوص الإيمان فوافقوا فيه الجهمية، وحصروا دلائل النبوة بالمعجزات التي هي الخوارق، موافقة للمعتزلة.
وقد تأثَّر أئمةُ المذهب ببعض أفكار ومعتقدات كثير من الفرق الضالة:
فوافقوا الجهمية في الإيمان والتعطيل.
والمعتزلة والفلاسفة؛ في نفي بعض الصفات وتحريف نصوصها، ونفي العلو والصفات الخبرية.
كما تأثَّروا بالجبرية في مسألة القَدَر؛ فقالوا: "إن قُدْرَةَ العبدِ لا تأثير لها في حدوث مقدورها، ولا في صفة من صفاته، كما التصق المذهب الأشعري بالتصوف والفلسفة.
ومن معتقداتهم الفاسدة:
- تقديم العقل على النقل عند التَّعَارُض؛ صَرَّح بذلك الرازي في "أساس التقديس"، والآمدي وابن فورك وغيرهم، وعدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة؛ لأنها لا تُفِيد العلم اليقيني.
- أثبتوا وجود الله تعالى على طريقة الفلاسفة والمتكلمين، وخالفوا مذهب السَّلَف.
- رتبوا على مخالفته – سبحانه - للحوادث وإثبات أنه ليس بجوهر ولا جسمٍ ولا في جهةٍ، ولا في مكانٍ، وقد رتَّبُوا على ذلك إنكارهم صفات: الرِّضا والغضب والاستواء، بشبهة نفي حلولِ الحوادث في القديم؛ من أجل الرد على القائلين بقِدَمِ العالَم.
- قالوا في الإيمان بقول الجهمية: "أنه التصديق القلبي وإن لم ينطق بالشهادتين"، وكذلك اضطربوا في باب التكفير اضطرابا كبيراً، وكفروا من أثبت علو الله الذاتي وقالوا: "إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر"، ورموا مخالفيهم بالتجسيم.
- قالوا إن القرآن ليس كلام الله على الحقيقة، ولكنه كلام النفسي وأن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة.
جهودهم:
على الرغم مما عندهم من فساد ظاهر في العقيدة إلا أن شيخ الإسلام في ردوده المطولة عليه قد أنصفهم وذكر أن لهم جهود محمودة في الرد على الفلاسفة والقرامطة والباطنية والروافض، وغيرهم من أهل الأهواء الفاسدة والنِّحَل الباطِلة.
وخلاصةُ الأمرِ أن الأَشَاعِرَة ضَلُّوا فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة، وما عليه خيار هذه الأمة، من أئمة الهدى من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان، والأئمة المهتدين فيما تأولوه – حرفوه - من أسماء الله وصفاته على غير تأويله، وأن أبا الحسن الأشعري - رحمه الله - ليس من الأَشَاعِرَة، وإن انتسبوا إليه؛ لكونه رجع عن مذهبهم واعتنق مذهب أهل السنة. ومعتقده الموافق لأهل السنة مدون في آخر ما ألفه من مؤلفات كـ: (مقالات الإسلاميين) و(الإبانة) و(رسالة إلى أهل الثغر) و(مقالات الإسلاميين)
ومن أراد الاطلاع على مذهب السلف أو مزيدا من الردود على الأشاعرة فليراجع أحد الكتب الآتية: كُتُبِ شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - ومنها "نقض تأسيس الجهمية"، وهو أهم كتاب في هذا الباب؛ لأنه جعله خاصًّا بالردِّ على كتاب من أعظم كتب الأَشَاعِرَة، وقد عول عليه من جاء بعده، وهو كتاب "أساس التقديس للرازي"؛ فقد حشد فيه الرازي خلاصة أدلة الأَشَاعِرَة وشُبُهِهِم بأسلوب عقلي قوي، خاصةً وأنه أفرده ولم تَقُم للأَشَاعِرَة قائِمَةً من حين تأليف ذلك الكتاب، وكتاب "درء تعارض العقل والنقل"، و"شرح الأصفهانية"، و"العقيدة الحموية"، وكتاب "موقف ابن تيمية من الأَشَاعِرَة" لدكتور عبد الرّحمن بن صالح بن صالح المحمود، وكتاب "مختصر العلو للعلي الغفار" للإمام الذهبي، وكتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية، على غزو المعطلة والجهمية" للإمام ابن القيم، وكتاب "الصواعق المرسلة" هذا فضلاً عن. كتاب "الإيمان والتوحيد" لابن منده، و"الإبانة" لابن بطة العكبري، "التوحيد" لابن خزيمة، وكتاب "أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للطبري اللالكائي.
هذا؛ وعقيدة الأَشَاعِرَة تُنْسَبُ إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بالمعنى العام، في مقابل الشيعة، وأن الأَشَاعِرَة الأوائل أمثال الباهلي، وابن مجاهد، والباقلاني وغيرهم، أقرب إلى السُنَّةِ والحق من الفلاسفة والمعتزلة، ومن أشاعرة المتأخرين كأبي بكر بن فورك والرازي وغيره، وإنهم ليُحْمَدُوا على مواقفهم في الدفاع عن السُنَّةِ والحق في وجه الباطنية والرافضة والفلاسفة، فكان لهم جُهْدَهُم المحمود في هتك أستار الباطنية وكشف أسرارهم، وكسر سورة المعتزلة والجهمية كما بين ذلك شيخ الإسلام.
هذا؛ والله أعلم.