تأخير الصلاة بسبب الدراسة
خالد عبد المنعم الرفاعي
نحن في مدرستنا نخرج على الساعة الخامسة مساء أي يكون قد أذن العصر فهل أؤثم على صلاة العصر في وقت غير وقته الأول
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإن كان مراد السائل بقوله (غير وقته الأول) أنه يدرك العصر في وقته، فالصلاة صحيحة ولا إثم عليه؛ لأنَّ وقت العصر يبدأُ إذا صار ظِلُّ كلّ شيءٍ مثلَه وينتهي بغروب الشمس، وبين هذيْنِ الوَقْتَيْن يوجدُ وقتُ اختِيارٍ لِصلاةِ العصر ووقتُ اضطِرار، فوقْتُها الاختِياريّ ما دمت ترى الشمس بيضاء نقية، ووقتُ الاضطِرار من اصفِرار الشَّمس إلى غُروبها، ولا يَجوز تأخير العصر إلى تِلك السَّاعة إلا لِلضَّرورة، ومن صلاها في ذلك الوقْتِ فقدْ أدَّاها في الوقت ولكن يأثَم إن كان التَّأخير لغَيْرِ عُذر.
ففي الصحيح أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((تلكَ صلاةُ المُنافق؛ يرقُب الشمسَ حتَّى إذا كانت بين قَرْنَي شيطانٍ قام فنقر أربعًا لا يذكُر الله فيها إلا قليلاً)).
قال النَّووي في شرح مسلم: "قال أصحابُنا: للعَصْرِ خَمسةُ أوقاتٍ: وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر؛ فأمَّا وقت الفضيلة فأوَّل وقتها، ووقتُ الاختيار يمتدّ إلى أن يَصيرَ ظِلّ الشيء مِثْلَيْه، ووقتُ الجواز إلى الاصفِرار، ووقْتُ الجوازِ مع الكراهة حال الاصفِرار إلى الغُروب، ووقتُ العُذْر وهو وقت الظّهر في حقّ مَن يَجمع بين العصْر والظُّهر لسفرٍ أو مطر، ويكونُ العصرُ في هذه الأوقات الخمسةِ أداءً، فإذا فاتت كلُّها بغروبِ الشَّمس صارت قضاءً". اهـ.
هذ؛ ويجوز جمع صلاة العصر مع صلاة الظهر إذا غلب على الظن تأخر اليوم الدراسي إلى غروب الشمس، أو أذن المغرب عليكم وأنتم في المدرسة كما في أيام الشتاء، وذلك إن لم تتمكن أداء الصلاة في وقتها؛ لأن الله سبحانه شرع الجمع بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر، أو تأخيرًا في وقت العصر، وبين المغرب والعشاء تقديمًا أو تأخيرًا، رفعًا للحرج، ومن أجل الحاجة ؛ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس، قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر"، في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: "كي لا يحرَج أمته"، وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
قال لنووي في "شرح مسلم: (5/ 219):
"وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول بن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره بن المنذر؛ ويؤيده ظاهر قول بن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته"؛ فلم يعلله بمرض ولا غيره". اهـ.
وجاء في "مجموع الفتاوى" (22/ 292) لشيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه أن ما شرعه الله للحاجة يجوز في الحضر والسفر: "الصلاة على الدابة والتيمم وكأكل الميتة، فهذه جاءت للحاجة، وكذلك يجوز في الحضر والجمع هو من هذا الباب؛ إنما جاز لعموم الحاجة لا لخصوص السفر، ولهذا كان ما تعلق بالسفر إنما هو رخصة قد يستغنى عنها، وأما ما تعلق بالحاجة فإنه قد يكون ضرورة لا بد منها". اهـ.
وقال (22/ 292): "وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه وللمرض ونحوه ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة".
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن طالبة أحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد تتعدى أحياناً ثلاثة فروض فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال؛ لأنه حاجة فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً، فإنه لا يجوز إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال، وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصلىها على أي حالٍ كانت، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر، ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم، وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها.
والخلاصة أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر، إما تقديماً وإما تأخيراً والجمع بين المغرب والعشاء، إما تقديماً وإما تأخيراً حسبما تكون الحاجة داعية إليه". اهـ. من فتاوى نور على الدرب للعثيمين (8/ 2).
هذا؛ والله أعلم.