حكم قول عز الله وإشهاد الله على الكذب
خالد عبد المنعم الرفاعي
سمعت ان قول يعلم الله أو يشهد الله على شيء كذب وانت تعلم انه كذب كفر هل قول عز الله مثلهم ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمن قال عن شيء يعلم الله والأمر بخلافه، أو قال كاذباً: يعلم الله أنه حدث كذا وكذا، فالصحيح عند الحنفية وغيرهم من أهل العلم أنه يكفر؛ لأنه نسب إلى الله العلم بشيء لم يقع.
جاء في كتاب "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" في الفقه الحنفي (4/ 310):
"وفي قولهم يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعل كذا، وهو يعلم خلافه فيه اختلاف المشايخ، وعامتهم على أنه يكفر، ثم رقم في المجتبى رقمًا آخر لو قال: الله يعلم أني ما فعلت كذا وهو يعلم أنه كاذب فقيل: لا يكفر وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأنه قصد ترويج الكذب دون الكفر". اهـ.
وفي "حاشيتا قليوبي وعميرة" (4/ 273) في الفقه الشافعي: "... ولو قال يعلم الله، أو يشهد الله، فإن كان صادقًا فلا بأس، وإن كان كاذبًا فحرام، بل إن قصد أن الله يعلم ذلك، وهو كاذب فيه كَفرَ؛ كما قاله النووي وتبعه شيخنا". اهـ.
أما قول: (عَزَّ الله)، فهي كلمة تعظيم مثل: (جل ثناؤه)، و(عز وجل) و(جلَّ الله)، ونحوها، وإن قصد بها اليمين فهي يمين.
قال الإمام البخاري كما في "صحيح البخاري" (8/ 134): (في الأيمان: باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته)، وقال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أعوذ بعزتك"، وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يبقى رجل بين الجنة والنار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، لا وعزتك لا أسألك غيرها"، وقال أبو سعيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله"، وقال أيوب: "وعزتك لا غنى بي عن بركتك".
ثم روى بإسناده عن أنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض".
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخارى" (6/ 117):
".... قال مالك فى المدونة: الحلف بأسماء الله وصفاته لازم كقوله: والعزيز، والسميع، والبصير، والعليم، والخبير، واللطيف، أو قال: وعزة الله وكبريائه، وعظمة الله وقدرته، وأمانته، وحقه، فهى أيمان كلها تكفر، وذكر ابن المنذر مثله عن الكوفيين أنه إذا قال: وعظمة الله، وعزة الله، وجلال الله، وكبرياء الله، وأمانة الله: وجبت عليه الكفارة، وكذلك فى كل اسم من أسمائه تعالى. وقال الشافعى فى جلال الله، وعظمة الله، وقدرة الله، وحق الله، وأمانة الله: إن نوى بها اليمين فهى أيمان، وإن لم ينو اليمين فليست بيمين؛ لأنه يحتمل: وحق الله واجب، وقدرة الله ماضية"
درء تعارض العقل والنقل (10/ 71)
وثبت عنه الحلف بعزة الله، والحلف بقوله: لعمر الله، فلو كان الحلف بصفاته حلفاً بغير الله لم يجز، فعلم أن الحالف بهما لم يحلف بغير الله، ولكن هو حالف بالله بطريق اللزوم، لأن الحلف بالصفة اللازمة، حلف بالموصوف سبحانه وتعالى".
إذا تقرر هذا؛ فالحلف بعزة الله كالحلف بالله لأن صفات الله غير زائدة عليه سبحانه، والعز صفة من صفاته سبحانه، فالحلف بها يمين منعقدة، وإن لم يقصد اليمين وإنما كان لفظًا يجري على لسانه دون قصد فلا شيء عليه؛ لقوله تعالى : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225]، وقوله سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]،، والله أعلم.