عاقبة الشر !

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

سلام عليكم ورحمه الله وبركاته أنا شاب أبلغ من العمر20عاما دخلت في صحبه فيها من التساهل في المعاصي وبعض الكبائر وانا من عائلة فيها الالتزام والتقوى الحمدلله لكن ذهبنا الى شقه للسهر ومعهم خمر واغصبوني على شرب من الخمر شربت نصف كاسة وانا نادم وخائف الله انا واشرب لم اسكر وندمان جدا وفيني خوف من الله ما الحكم وماذا افعل حتى يقل خوفي واريد الالتزام وطلب العلم هل يحق لي ما اتمنى

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن تحريم الخمر من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]؛ وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها وعاصرها، ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه"،

وروى أحمد وأصحاب السنن عن أنس بن مالك قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: "عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له"، واللعن هو الطرد من رحمة الله.

 وقد نهى الشارع الحكيم عن التواجد في أمكان المنكر ومَوْضعه، وأمر بمُفارقتها؛ فقال الله – تعالى -: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلا يقعُد على مائدةٍ يُشرب عليْها الخمْر"؛ رواه أحمد عن جابر - رضِي الله عنْه.

قال الإمامُ الطبَري عند تفسير قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] : "... فأولى الأقوال بالصَّواب - في تأويله -: أنْ يُقال: والذين لا يشْهَدُون شيئًا منَ الباطل، لا شركًا، ولا غناء، ولا كذبًا، ولا غيره، وكلَّ ما لزمه اسم الزُّور؛ لأن الله عمَّ في وصفه إياهم أنهم لا يشْهدون الزُّور، فلا ينبغي أن يُخَصَّ من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليمُ لها، من خبر أو عقل". اهـ.

هذا؛ ومما لا شكَّ فيه أن شأن الخُلطَةَ بأصحاب المعاصي والذنوب خطير على الدين؛ فكل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة؛ كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

قال صاحب الظلال: "وإن عداء الأخلاء لينبع من معين ودادهم.. لقد كانوا في الحياة الدنيا يجتمعون على الشر، ويملي بعضهم لبعض في الضلال، فاليوم يتلاومون، واليوم يلقي بعضهم على بعض تبعة الضلال وعاقبة الشر، واليوم ينقلبون إلى خصوم يتلاحون، من حيث كانوا أخلاء يتناجون! {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} .. فهؤلاء مودتهم باقية؛ فقد كان اجتماعهم على الهدى، وتناصحهم على الخير، وعاقبتهم إلى النجاة".

كما حذرنا رسول الله صلى الله من صحبة السوء التي تضر صاحبها ولا تنفعه؛ فقال: "مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد منه ريحا طيبة, ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه ريحا خبيثة". متفق عليه.

و"المرء على دين خليله"، كما قال في الحديث الصحيح.

والحكمة من هذا النهي لا يكاد تخفى على أحد؛ فالإنسان يتأثر بجليسه وصاحبه ولا محالة، والصاحب ساحب، وكل قرين بالمقارن يقتدي، ومن رافق الفاسق اتّصل به شرُّه، وأصابه ضُرُّه، ولحق به عاره، وترك فيه أثره السيء ولابد؛ كما حصل مع الأخ السائل، وقد أوجب أهل العلم هجر أصحاب المعاصي لمن يخشى على نفسه الفتنة، أو الوقوعَ فيما حرم الله - عز وجل.

قال أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا عَلَى أنه لا يجوزُ الهجرانُ فوقَ ثلاث، إلا لمن خاف من مكالمته ما يُفسِدُ عليه دينه، أو يَدخُلُ منه عَلَى نفسه أو دنياه مضرةٌ، فإن كان كذلك، جازَ، وَرُبَّ هجرٍ جميلٍ، خيرٌ من مخالطةٍ مؤذيةٍ، كما في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر.

وقال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - في "الفتاوى الكبرى" -: "إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه، منهيٌّ عنه". اهـ.

وقال ابن بطَّال - في "شرح البخاري" -: "فلا ينبغي حضور المنكر والمعاصي، ولا مجالسة أهلِها عليها؛ لأنَّ ذلك إظهار للرِّضا بها، ومَن كثَّر سواد قوم، فهو منهم، ولا يَأْمَنُ فاعلُ ذلك حلول سخط الله وعقابه عليْهم، وشمول لعنته لجميعهم، وقد روى ابنُ وهب عن مالك: أنَّه سُئل عن الرَّجُل يُدْعَى إلى الوليمة وفيها شراب، أَيُجيب الدعوة؟ قال: لا؛ لأنَّه أظهر المنكر". اهـ.".

إذا تقرر هذا؛ فيجب عليك التوبة النصوح ومن تمام التوبة هجر أولئك الشباب بالكلية، وقطع أي صلة بهم، مع الإكثار من الأعمال الصالحة.

أما ما تشعر به من خوف فهو أنفع شيء للعبد؛ لأنه يحجزه عن المعاصي، ولكن مع اليقين أن الله سبحانه وتعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، والعفو أحب إليه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة، والرضا أحب إليه من الغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع، والمسامحة أحب إليه من الاستقصاء، والترك أحب إليه من الاستيفاء، ورحمته غلبت غضبه، وكذلك فرحه بتوبة عبده، وضحكه من علم العبد أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، والله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، والله تعالى غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب، والذنب مهما عظم، والكفر وإن غلظ وجسم، فإن التوبة تمحوهما، والله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب؛ كما قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53]،، والله أعلم.