حكم الاقامة في بلاد الكفار من أجل المال

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

جئت لاسبانيا مع اسرتي في سن16,و سني الآن21, اذا سألني احد عن ديني,اجيب اني مسلم دون خوف,استطيع الصوم و اقامة الصلاة في البيت و في المسجد,و نيتي انه عندما تتحسن ظروفنا المعيشية في عدة سنوات هي الرجوع الى بلدي الاصلي, فلا أنوي الاقامة الدائمة هنا,لكن صادف ان وجدت ان الشيخ الفوزان اجاب بنعم عن سؤال ملخصه هل من مات في بلاد الكفر يعتبر غير مسلم , فهل هذا صحيح حيث نفس الشيخ اجاب بجواز الاقامة و لكن بشروط,فهل يخلد في النار من مات في بلاد الكفر وهُو غير مضطر اي انه غني,بالرغم انه يستطيع اظهار دينه؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ

فإن الإقامة في بلاد الكفار مباحة إذا دعت لها الحاجة أو المصلحة، ولكن بشرط أن يأمن المسلم على دينة، ويكون عنده الإيمان والصبر ما يدفع به ىالفتنة عن نفسه، وأن يأمن على نفسِه من فتن الشبهات والشهوات ومن الوُقوع في المُنْكَرات، كما اشترط أهل العلم أيضًا للإقامة في بلاد الكفار التمكن من إظهار دينه وأداء الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والكف عن المحرمات، وغيرها.

وقد نصّ العلماء على وجوب ترك بلاد الكفر لمن خاف الفتنة.

قال في مغني المحتاج (6/54) "وإن لم يمكنه إظهار دينه أو خاف فتنة فيه (وجبت) عليه الهجرة رجلا كان أو امرأة وإن لم تجد محرما". اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 39) عند شرح حديث: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِن جِهَادٌ، وَنِيَّةٌ)): "وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ - انْقَطَعَتْ، إِلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ، وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ؛ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ".

وجاء في "المغني" (9/ 294) لابن قدامة: "فَالنَّاسُ فِي الْهِجْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ أَحَدُهَا، مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ، وَلَا تُمْكِنُهُ إقَامَةُ وَاجِبَاتِ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ بَيْنَ الْكُفَّارِ، فَهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97] . وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.

وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِوَاجِبِ دِينِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالْهِجْرَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ وَتَتِمَّتِهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

الثَّانِي: مَنْ لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا، إمَّا لِمَرَضٍ، أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الْإِقَامَةِ، أَوْ ضَعْفٍ؛ مِنْ النِّسَاءِ، وَالْوِلْدَانِ، وَشِبْهِهِمْ، فَهَذَا لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] {فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99]، وَلَا تُوصَفُ بِاسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا.

وَالثَّالِثُ: مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، لَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ، وَإِقَامَتِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَتُسْتَحَبُّ لَهُ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعُونَتِهِمْ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ، وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ.

وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ وَاجِبِ دِينِهِ بِدُونِ الْهِجْرَةِ؛ وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقِيمًا ب اهـ.ِمَكَّةَ مَعَ إسْلَامِهِ".

إذا تقرر هذا، فيجوز لك البقاء في بلاد الكفار بشرط أن تأمني على نفسِكِ من الفتن، وتَتَمَكَّنِينَ من إظهارِ دينك، وتَتَمَكَّنِينَ من أداء شعائِرِكِ التعبدية؛ فدينُ المرء أغلى ما يملِكُ، وأولى ما تَجِبُ المحافظةُ عليه،، والله أعلم