هل لمدمن العادة السرية والأفلام الإباحية من توبة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولا : جزاكم الله خيرا على ما تقدموه من خدمات جلية في هذا الموقع ثانيا : سؤالي هو أني أبلغ من العمر 28 سنة لي ذنوب كثيرة فعلتها منها أني مدمن على العادة السرية والأفلام الإباحية مدة تزيد عن 13 سنة هذا الفعل أفعله بشكل يومي , الآن أتسائل هل من الممكن أن الله يغفر لي هذا الإصرار على الذنب طيلة هذه المدة؟؟ أم أني من أهل النار بلا شك ؟؟ وهل مع إصراري على هذا الذنب طيلة هذه المدة لا زلت مسلما أم لا ؟؟ أفيدوني بإجابة جزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

أن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ويقبل توبة من تاب إليه وأقلع عن الذنب ولم يعود إليه، فقبول التوبة من وعد الله تعالى، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد؛ كما قال تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6]، وقال: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر: 20].

فمن تاب وأكثر من الأعمال الصالحة، وأصلح ظاهره وباطنه، والتجأ إلى الله في جلب، شكر الله له فالله سبحانه- لا حاجة به إلى عقاب مخاليقه لو آمنوا وشكروا، فمتى اتقى العبد بالشكر والإيمان، فهنالك الغفران والرضوان، وهناك شكر الله- سبحانه- لعبده؛ قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}[النساء:147]، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136] وقوله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 17]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].....

والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا، وجميعها يدل على أن الله تبارك وتعالى شرع لعباده التوبة من الذنوب، ووعدهم بمغفرتها، وقبولها من كل من جاء بها على وجهها، مستوفية لشروطها من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعل الذنب؛ كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب، كمن لا ذنب له"؛ رواه ابن ماجه.

هذا؛ وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"(16/ 58): " أن التوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة، فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمتى أخرج من قلبه الشهوة لم يعد إلى الذنب، ومن تاب ثم عاد إلى الذنب قَبِلَ الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز له إذا عاد للذنب أن يُصر، بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فإن الإصرار على تلك العادة المحرمة سببه الغفلة الشهوة، ولكل واحدٍ منهما علاج ناجع يقطع مادتها. 

فالغفلةُ دواؤُها العلم والتذكُّر الدائم للوعيد الشديد الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية في حق المذنبين في الدنيا الآخرة، فقد يُعجِّل الله لأهل المعاصي ألوانًا من العقوبة في الدنيا؛ كما صحَّ عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنَّ العبدَ ليُحرم الرزق في الدنيا بالذنب يُصيبه"؛ رواه ابن ماجه.

ومن أعظم العقوبة والختم والقفل والغل والسد والغشاوة والحائل بين العبد وبين الإيمان والران  غيرها من عقوبات قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]       اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وقال: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } [التوبة: 127]،وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] وقال تعالى {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } [الأعراف: 100] وقال: {  قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، وقال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5]، وغير ذلك كثير.

وأمَّا علاج شدة الشهوة، فدواؤها الابتعاد عن الأسباب المهيجة والمغرية للمعصة، وتجنُّب مواطنها، مع إدمان الصيام والذكر وقراءة القرآن الكريم، واستحضار المخوفات الواردة في الشريعة الإسلامية، والآثار الوخيمة المترتِّبة عليها، مع صدق التوجه إلى الله والافتقار إليه في تيسير كل هذا؛ فالعبدَ إذا صدق مع افرار إلى ربِّه بنيَّة صحيحة وقلب مخلص، قبله الله تعالى بفَضْله وكرَمه، وأعانه ووفقه وسدده وهداه إلى الطريق المستقيم، وهَيئ له أسباب التوبة الصادقة؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ".

قال ابن القيِّم في "زاد المعاد" (4 / 185): "وإذا تأمَّلْت أمراض القلب، وجدْتَ هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها لا سبب لها سواها، فدواؤُه الذي لا دواء له سواه ما تضمنتْه هذه العلاجات النبوية من الأمور المضادة لهذه الأدواء، فإنَّ المرَض يزال بالضد، والصحة تحفظ بالمثْل، فصحتُه تحفظ بهذه الأُمُور النبوية، وأمراضه بأضدادها.

فالتوحيدُ: يفتح للعبد بابَ الخير والسرور، واللَّذة والفرَح والابتهاج، والتوبةُ استفراغ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه، وحمية له منَ التخليط، فهي تُغلق عنه باب الشرور، فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد، ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار.

قال بعض المتقدِّمين من أئمة الطِّب: مَن أراد عافية الجسم، فليقلِّل من الطعام والشراب، ومَن أراد عافية القلب فليترك الآثام، وقال ثابت بن قرة: راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة الروح في قلة الآثام، وراحة اللسان في قلة الكلام.

والذنوب للقلب بمنزلة السموم، إنْ لَم تهلكه أضعفتْه ولا بُدَّ، وإذا ضعفتْ قوته لَم يقدر على مقاومة الأمراض، قال طبيب القلوب عبدالله بن المبارَك:

 رَأَيْتَ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ

وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا

وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ

وَخَيرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيانُهَا

فالهوى أكبر أدوائها، ومخالفته أعظم أدويتها، والنفس في الأصل خُلقتْ جاهلة ظالمة، فهي لجهلها تظن شفاءها في اتِّباع هواها، وإنما فيه تلفها وعطبها، ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح، بل تضع الداء موضع الدواء فتعتمده، وتضع الدواء موضع الداء فتجتنبه، فيتولد من بين إيثارها للداء واجتنابها للدواء أنواعٌ منَ الأسقام والعِلل التي تعيي الأطباء، ويتعذر معها الشفاء، والمصيبة العظمى أنها تركب ذلك على القدر، فتبرئ نفسها وتلوم ربها بلسان الحال دائمًا، ويقوى اللوم حتى يصَرِّح به اللِّسان.

وإذا وصل العليل إلى هذه الحال، فلا يطمع في بُرئه إلا أن تتداركه رحمة مِن ربِّه، فيحييه حياة جديدة، ويرزقه طريقة حميدة".اهـ.

هذا؛ والله أعلم.