مشكلتي مشاهدة الأفلام الإباحية

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

انا عمري ٣٠ سنة لم اتزوج بعد.بدت أشاهد الأفلام الإباحية في الجامعة لي ١٠ سنة لكن لا أشاهدها مستمر علما بأني اقرأ القرآن واصلي جميع صلواتي كل مرة تزل قدمي ٢١/١/٢٠٢٢ اليوم أعلن توبتي ارجو ان تساعدوني هل يمكنكم ترسل لي الواتس لمتابعة حالتي وفقكم الله

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإن دخول المواقع الجنسية من الأمور المحرمة بَدَاهةً، ومن البلايا التي ابتُلِي بها المسلمون في دينهم، والتي جرت عليهم الويلات، فكم من جريمة ارتُكبت، وكم من أعراض انتُهكت، وحدودٍ تُعُدِّيت، وحياءٍ ذهب، وأخلاقٍ تحطمت من تلك المواقع السافلة، والواجب على من وقع في هذا أن يبادر بالتوبة والاستِغْفار، والعزم على عدم العود، والندم على ما فعل؛ فإن التَّوبة تَمحو جميع السيِّئات، وليس شيءٌ يَغفر جميع الذُّنوب إلاَّ التَّوبة، حتى الشرك والكفر والنقاق يغفره الله تعالى للتائبين؛ كم قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

ومن أعظم الأسباب التي تعين على عدم العود للذنب إخراج الشبهة والشهوة من القلب، وأخذ النفس بالحزم وعدم تعريض النفس للفتن، والفرار منها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ستكون فِتَنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، من تَشَرَّف لها تستشرفْه، فمَن وجَد فيها ملجأً أو معاذًا، فليَعُذ به))؛ أي: مَن نظَر إلى الفتن أهلكتْه.

مِن أجل هذا حذَّر النبي مِن المغامَرة بالنفس بالهجوم على الفتن، وبيَّن أن الواجبَ على الجميع - القويِّ والضعيفِ - الهرَبُ من مَظانها، والبُعد عنها، مهما كانتْ درجةُ وُضوح الشر فيها؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سمع بالدجال فلْيَنْءَ عنه؛ فواللهِ إنَّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به مِن الشبُهات، أو لما يبعث به مِن الشبهات))؛ رواه أحمد وأبو داود،

فما استُعين على التخلص من الفتن بمِثْل البعد عن أسبابها ومظانها، فمن تلمَّس الفتن وقع فيها، وليس أدلُّ على ذلك مما رواه الإمام أحمد عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرَب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب سُتورٌ مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلِجْه، والصراطُ الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)).

والحاصل أن أعظم ما يحفظ المؤمن من الوقوع في الحرام: أن يسد على الشيطان مجاريه، ويقطع عليه حبائله؛ قال الله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21] ، فعليك بغض البصر؛ فإن البصر بريد الزنا، وعدم الخلوة بالنساء؛ فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.

 مع الإكثار من الأعمال الصَّالحة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذ بن جبل يوصيه: ((يا معاذ، اتَّق الله حيثُما كنت، وأتْبِع السيِّئة الحسنة تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بخلُق حسَن)).

وفي الصَّحيح عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((الصَّلوات الخمس، والجمُعة إلى الجمُعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائِر))؛ أخرجاه في الصَّحيحين.

وفي الصَّحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))، وقال: ((أرأيتم لو أنَّ بباب أحدكم نهرًا غمرًا يغتسل فيه كلَّ يوم خَمس مرَّات، هل كان يبْقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا، قال: ((كذلك الصَّلوات الخَمس، يَمحو الله بهنَّ الخطايا كما يَمحو الماءُ الدَّرن)).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "جموع الفتاوى"(16/58): "فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب، فهذه التوبة النصوح وهي واجبة بما أمر الله تعالى.

ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصرَّ؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة". اهـ.