الصداقه علي الفيسبوك

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته في عصرنا الحديث أصبح الفيسبوك اهم مواقع التواصل الاجتماعي و انتشرت الصداقه بين الجنسين عبر الفيسبوك و سؤالي هنا ما حكم اضافه الفتيات كصديقات عبر الفيسبوك او قبول طلبات الصداقه منهن؟ مع العلم انه لن يوجد بيني و بينهم اي محادثه إلا الحاجه أو لن تحدث أي علاقة عاطفية مع أي فتاة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

فالشريعةُ الإسلامية جاءتْ بما يُلائم فطرة الإنسان وتركيبه وغرائزه، فلم تَغفلْ عن طبيعة النفسَ البشرية؛ فصان الإسلامُ العلاقاتِ بين الجنسين، وجعل لها ضوابطَ صارمةً، ومن تلك الضوابط قاعدة سدُّ الذرائع؛ أي: غلق الأبواب الجالبة للشرِّ، أو التي قد توصِّل إلى الحرام؛ فـ "الأصل أن كل ما كان سببًا للفتنة، فإنه لا يجوز؛ فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدُّها إذا لم يعارضْها مصلحةٌ راجحةٌ، ولهذا؛ كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرمًا، إلا إذا كان لحاجة راجحة، مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما؛ فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة؛ وأما النظر - لغير حاجةٍ - إلى محلِّ الفتنة، فلا يجوز"؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية..

ومن ثمّ حرّم الشارع الحكيم التواصل بين الجنسين إلا في ظل زواج شرعي، فلا يجوز للمرأة ان تنشأ علاقة صداقة مع رجل أجنبي عنها ؛ كما قال سبحانه وتعالى في خصوص النساء: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]، وفي خصوص الرجال: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5]، والأَخْدَانُ: الأصدقاء والصديقات، واتخاذ الأخدان مُحرَّم؛ سواءٌ كان عبر الهاتف أو الدردشة في مواقع التواصل الإجتماعية، أو اللقاء المباشر، وغيرها مِن وسائل الاتِّصال المُحرَّمة بين الرجل والمرأة، وهي من سبل الشيطان التي تفضي في نهاية المطاف إلى الفاحشة؛ لأنها من المداخلُ الكبرى للشيطان، والحبل الأوثق لمهاوي الرَّدى؛ قد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].

والعقل الصريح والفِطرة السليمة - التي لم تَفسُدْ بالشهوات، ولا باتِّباع الهوى - يستقبحان تلك الصداقة، ويَنفِران منها، وهذا يدركه كل أحد بالبداهة العقلية، ولا يحتاج إلى إقامة برهان عليه، ولكن الإنسان يخادع نفسه، ويتبع هواه.

وتأمل ما قاله الإمام ابن القيم في كتابه "شفاء العليل"(1 / 226 - 229) وهو يتكلم عن محاسن الشريعة الإسلامية، ووجوب الالتزام بآدابها: "...وهل قامت مصالِح الوجود إلاَّ بالأمر والنَّهي وإرسالِ الرسل وإنزال الكتب، ولولا ذلك لكان النَّاس بمنزلة البهائم يتهارَجون في الطُّرقات ويتسافدون تسافُد الحيوانات، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، ولا يمتنعون من قبيح ولا يهتدون إلى صواب، وأنت ترى الأمكنةَ والأزمنة التي خفيَت فيها آثارُ النُّبوة كيف حال أهلها وما دخل عليهم من الجَهل والظُّلم، والكفرِ بالخالق والشِّرك بالمخلوق، واستحسانِ القبائح وفساد العقائد والأعمال؛ فإنَّ الشَّرائع بتنزيل الحكيم العليم، أنزلها وشرعها الذي يَعلم ما في ضمنها من مصالِح العباد في المعاش والمعاد وأسبابِ سعادتهم الدنيوية والأخروية، فجعلها غذاء ودواء، وشفاء وعصمة، وحصنًا وملجأ، وجُنَّةً ووقاية

وشرائعُ الربِّ تعالى فوق ذلك وأجلُّ منه، وإنَّما هو تمثيلٌ وتقريبٌ؛ فلا أحسن مِن أمره ونهيِه، وتحليله وتحريمه، أمرُه قوت وغذاء وشفاء، ونهيُه حميةٌ وصيانة، فلم يأمرْ عبادَه بما أمرهم به حاجةً منه إليهم ولا عبثًا؛ بل رحمة وإحسانًا ومصلحة، ولا نهاهم عمَّا نهاهم عنه بُخلاً منه عليهم؛ بل حماية وصيانة عمَّا يؤذيهم ويعود عليهم بالضَّرر إن تناولوه، ولهذا استدل كثير من العقلاء على النبوة بنفس الشريعة واستغنوا بها عن طلب المعجزة، وهذا من أحسن الاستدلال؛ فإن دعوة الرسل من أكبر شواهد صدقهم". اهـ.

هذا؛ والله أعلم