زوجى علق الطلاق على عدم كلام امراة وكلمها
خالد عبد المنعم الرفاعي
زوجى اقسم يمين معلق انه لم يكلم امراة معينه وكلمها. ما موقفى كزوجه. هل كده مطلقه وعليه الرد ام يدفع كفارة يمين. وهل يجوز اجلس فى منزلى كزوجه بدون حجاب ام محرمه علية حتى يقضى اليمين او يردنى؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإذا كان زوجك قد علق الطلاق على كلام تلك المرأة ثم حنث في يمنه، فإن كان قد قصد بالتعليق إيقاعَ الطلاق، عند كلامها، فإن الطلاق يقع باتفاق الأئمة.
وأما إن كان الزوج لا غرض له في الطلاق، ولم يقصده، وإنما أراد بالتعليق أن يمنع نفسه من كلامها، فلا يقع الطلاق وهو يمين من أيمان المسلمين، ويجب عليه كفارة يمين، وهو مذهب شيخُ الإسلام ابن تيمية وابن القيم؛ واستدلاَّ بأدلَّة كثيرة، نقلية وعقلية؛ منها:
الأول: أنَّ الطلاق المعلَّق يمينٌ باتِّفاق الفقهاء وأهل اللغة، فيكون حكمُه في وجوب الكفَّارة بالحنث حكمَ باقي الأيمان التي قال الله تعالى فيها: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2]، وقال – سبحانه -: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89]، وقال - عزَّ وجل -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 1 - 2]، فقد سمَّى الله تحريم النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمارية القبطيَّة على نفسه يمينًا، فدلَّ على أنَّ اليمين أعمُّ من القسم، ويدخل المعلَّق المراد به القسَم أيضًا في عموم قولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حلف على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًا منها، فلْيأتِ الذي هو خير، وليكفِّر عنْ يمينه))؛ رواه مسلم.
الثاني: أنَّه ورد عن طائفة من الصَّحابة والتابعين والأئمة: أنَّ مَن حلف بالعَتاق أنه مخيَّر بين الوفاء أو يكفِّر كفَّارة يمين، ومنهم: عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب بنت أبي سلمة، والحسَن البصري، وحبيب بن الشهيد، وأبو ثور، وعطاء، وأبو الشعثاء، وعكرمة، وهو مذهب الشافعي وأحمد، ورواية عن أبي حنيفة اختارها محمد بن الحسن، وطائفة من أصحاب مالك؛ كابن وهب، وابن أبي الغمر، وأفتى ابنُ القاسم ابنَه بذلك، ونسبه إلى الليث.
ولا فرْق بين الطلاق المعلَّق المراد به الحضّ أو المنع أو التوكيد، وبين الحلِف بالعتاق.
الثالث: اتِّفاق الفقهاء على أنَّ مَن حلف بالكُفْر لا يلزمه الكفر، قالوا: لأنه لا يقصد معنى اللفظ، وإنما يريد المنع أو الحض، أوالتوكيد، فكذلك الحال فيمن يعلِّق طلاق امرأته، وهو يكره فراقَها، ولا سبيلَ إلى فرق.
الرابع: أنَّ الجمهور فرَّقوا بين نذر التبرُّر - كقوله: إن شفا لي الله مريضي، فعليَّ عتق رقبة - وبين نذر اللَّجاج والغضب الذي يراد ما يراد باليمين، فألزموا الوفاء في نذر التبرُّر، دون نذر الغضب واللجاج، ولا فارق بينه وبين الطلاق المعلق الذي يراد به اليمين.
وقال "مجموع الفتاوى" (ج33 / ص60): "فالأصل في هذا أن يُنظَر إلى مراد المتكلِّم ومقصوده، فإن كان غرضُه أن تقع هذه الأمورُ، وقعتْ منجَّزةً أو معلَّقة، إذا قصد وقوعها عند وقوع الشَّرط، وإن كان مقصوده أن يحلف بها، وهو يكْرَه وقوعَها إذا حنث، وإن وقع الشَّرط - فهذا حالف بها، لا مُوقع لها، فيكون قوله من باب "اليمين"، لا من باب "التطليق والنذر"، فالحالِف هو الَّذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقولِه: "إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، ونسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وعليَّ المشْي إلى بيت الله"؛ فهذا ونَحوه يمينٌ، بخلاف مَن يقصد وقوع الجزاء من ناذرٍ ومطلِّق ومعلِّق، فإنَّ ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم، لكنَّ هذا الحالف يكره وقوعَ اللازم وإن وُجد الشَّرط الملزوم، كما إذا قال: "إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني"، فإنَّ هذا يكره الكُفْر ولو وقع الشَّرط؛ فهذا حالف.
والمُوقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشَّرط الملزوم، سواء كان الشَّرط مرادًا له، أو مكروهًا، أو غير مرادٍ له، فهذا مُوقع ليس بحالف، وكلاهما ملتزم معلِّق، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فإن كان زوجك يقصد بتعليق الطلاق الامتناع من الكلام تلك المرأة، وهو يكره طلاقك ولا يرغب فيه، بل هو حريص عليك- فيجب عليك كفارة يمين، وأما إن كان راغبًا في طلاقك، فيقع الطلاق إجماعًا،، والله أعلم.