حكم النصيحه وحكم من لا يقبلها ؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
ما اعلمه ان النصيحه واجبه فأنا احاول دائماً نصح القريبين مني فهل هي دائماً واجبه مع الجميع ؟ لدي امي واخي الاصغر عمره ١٥ سنه لا يصلون دائماً ما انصح اخي بالصلاه ولكنه لا يستمع فهل علي الاستمرار؟ وامي ايضاً حاولت معها ولكنها لا تهتم كل ما استطيع فعله الان هو الدعاء لهم بالهدايه هل هي واجبه وهل اثم اذا لم انصحهم بعد ذلك ؟ اتمنى التفصيل وان كانت واجبه انصحني بطريقه لجعلهم يصلون ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الدعوة إلى الله - تعالى - فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بحسب استطاعتهم؛ قال الله – تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه.
ومع هذا فأنا {عَلَى بَصِيرَةٍ} من ديني، أي: على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية. {وَ} كذلك {مَنِ اتَّبَعَنِي} يدعو إلى الله كما أدعو على بصيرة من أمره" كما في تفسير السعدي.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فليبلغِ الشاهدُ الغائبَ فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع))؛ متفق عليه.
وقال تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]،
والدعوة إلى الله تحتاج إلى الصبر وتحمُّل المشاق وحتساب الأجر عند الله، مع المداومة على الأعمال الصالحة، والتعلَّمْ والتفقَّهْ في الدين، ولتكن على بينة في جميع أمورك؛ لتكون قدوة وأسوة صالحة في أعمالك الطيبة، وسيرتك الحسنة؛ فالدعوة إلى الله رسالة شريفة، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وعباد الله المتقين.
كما قال – تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
هذا؛ والله أعلم.
يقول الأستاذ سيد قطب في ظلاله: " إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله، في مواجهة الْتواءات النفس البشرية، وجهلها، واعتزازها بما أَلِفت، واستكبارها أن يُقال: إنها كانت على ضلالة، وحرصها على شهواتها، وعلى مصالحها، وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد، كل البشر أمامه سواء.
إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق، ولكنه شأن عظيم:
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
إن كلمة الدعوة - حينئذ - هي أحسن كلمةٍ تُقال في الأرض، وتَصعَد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء، ولكن مع العمل الصالح الذي يصدِّق الكلمة، ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات؛ فتصبح الدعوة خالصة لله، ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ.
ولا على الداعية بعد ذلك أن تُتَلَقَّى كلمتُه بالإعراض، أو بسوء الأدب، أو بالتبجح في الإنكار؛ فهو إنما يتقدم بالحسنة؛ فهو في المقام الرفيع، وغيره يتقدم بالسيئة؛ فهو في المكان الدون:
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ] [فصلت: 34].
وليس له أن يرد بالسيئة؛ فإن الحسنة لا يستوي أثرها؛ كما لا تستوي قيمتها مع السيئة. والصبر والتسامح، والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر، يرُدُّ النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة، فتنقلب من الخصومة إلى الولاء، ومن الجماح إلى اللين:
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]". اهـ. "في ظلال القرآن" (6 /295).