هل للصائم عند فطره دعوة واحدة مستجابة أم أكثر؟
الإسلام سؤال وجواب
- التصنيفات: الذكر والدعاء - فتاوى وأحكام -
نعلم أن للصائم دعوة مستجابة عند إفطاره بإذن الله تعالى، فهل يجب للصائم أن يدعو دعوة واحدة فقط في اليوم أملا أن تكون هي الدعوة المستجابة؟ أم إنه يجوز أن يدعو لنفسه وغيره معًا قبل الإفطار؟
الحمد لله.
أولا:
قد وردت بعض الأحاديث في استجابة الله دعاء الصائم، إما مطلقا أثناء صومه، أو مقيدة حين الفطر.
أما الذي ورد في استجابة الدعاء أثناء الصوم مطلقا فقد جاء فيه حديثان، أحدهما صحيح، والآخر ضعيف.
أما الصحيح فأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6392)، والضياء في "المختارة" (2057)، من حديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ، دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ».
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1797).
وأما الضعيف فأخرجه الترمذي في "سننه" (3598)، وابن ماجه في "سننه" (1752)، وأحمد في "مسنده" (8043)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1901)، من طريق سَعْدٍ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِي، عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».
والحديث صححه ابن الملقن في "البدر المنير" (5/152)، وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1358).
وعلته " أبو المدلة عبيد الله بن عبد الله مولى أم المؤمنين عائشة ".
قال فيه ابن المديني كما في "تهذيب التهذيب" (12/227):" مجهول " انتهى، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/571):" لا يكاد يعرف " انتهى، وقال ابن حجر في "التقريب" (8349):" مقبول " انتهى.
وإن صح فمعناه أنه يستجاب للصائم طيلة اليوم حتى يفطر، أو يدخل زمان الإفطار.
قال ابن علان رحمه الله: " قوله: (هكذَا الرِّوايةُ حتى بالمثنَّاةِ الفوْقيةِ). قال الحافظ كأنه يريد الإشارة إلى أنها وردت بلفظ حين بدل حتى، وهو كذلك...". انتهى من "الفتوحات الربانية" (4/338).
وأما ما ورد مقيدا بوقت الفطر، فقد جاءت فيه عدة أحاديث، لكنها لا تثبت، وإنما يثبت منها أثر موقوف.
أما الأحاديث المرفوعة:
فالأول:
أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1753)، والطبراني في "الدعاء" (919)، والحاكم في "المستدرك" (1535)، من طريق حَدّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ».
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (921).
الثاني:
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (2376)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3624)، من طريق أبي مُحَمَّدٍ الْمُلَيْكِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ»، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا ".
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (4/44).
وأما الأثر الموقوف:
أخرجه ابن الأعرابي في "معجمه" (349)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3620)، من طريق محمد بن سليمان الباغندي، قال نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:كَانَ يُقَالُ: لِكُلِّ مُسْلِمٍ صَائِمٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ)، قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ اغْفِرْ لِي ".
وإسناده حسن.
فأما " عبد العزيز بن أبي رواد "، فقد وثقه يحيى بن سعيد القطان، وأبو حاتم، وابن معين، وقال أحمد بن حنبل:" رجل صالح وكان مرجئا، وليس هو في التثبت مثل غيره "انتهى من "الجرح والتعديل" (5/394).
وأفحش ما قيل فيه ما قاله ابن حبان في "المجروحين" (2/137):" روى عبد الْعَزِيز عَن نَافِع عَن ابن عمر نُسْخَة مَوْضُوعَة، لَا يحل ذكرهَا إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار "انتهى.
علق الذهبي كما في "سير أعلام النبلاء" (7/187) على ذلك، فقال:" قُلْتُ: الشَّأْنُ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهَا إِلَى عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَعَلَّهَا قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ "انتهى.
وأما " محمد بن يزيد بن خنيس "، فقد وثقه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/127)، وقال ابن حبان في "الثقات" (9/61):" وَكَانَ من خِيَار النَّاس، رُبمَا أَخطَأ؛ يجب أَن يعْتَبر حَدِيثه إِذا بَين السماع فِي خَبره، وَلم يرو عَنهُ إِلَّا ثِقَة "انتهى، وقال ابن حجر في "التقريب" (6396):" مقبول"انتهى.
وأما " محمد بن سليمان الباغندي": قال فيه الدارقطني " لا بأس به "، وقال الخطيب:" رواياته كلها مستقيمة " انتهى من "تاريخ بغداد" (3/226).
ثانيا:
استحب جماعة من أهل العلم الدعاء عند الفطر؛ فممن ذكره في الكتب المصنفة: وابن مفلح كما في "المبدع" (3/42)، وابن رجب كما في "لطائف المعارف" (ص168)، والمرداوي كما في "الإنصاف" (3/235)، والسفاريني كما في "كشف اللثام" (3/574)، والبهوتي في "كشاف القناع" (2/332)؛ عملا بهذه الأحاديث الواردة في استجابة الدعاء عند الإفطار، ولعل المرفوع مع ضعفه يتقوى بالموقوف، ويدل على أن له أصلا.
ثالثا:
وأما بخصوص ما ورد في محل السؤال، حول المقصود بالدعوة المقبولة عند الفطر، هل هي دعوة واحدة أم عدة دعوات ؟ فجواب ذلك:
أنه على فرض صحة الأحاديث الواردة كما قدمنا، فكلمة " دعوة " على وزن " فَعْلَة "، وهذه تدل على اسم المرة، وكذلك تدل على المصدر.
لذا تحتمل الكلمة الدلالة على دعوة واحدة، وتحتمل مطلق الدعاء عند الإفطار، وبكلٍ منهما قال قائل من أهل العلم.
قال ابن منظور في "لسان العرب" (14/257)، وابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/122):" والدَّعوة: المَرَّة الواحدةَ من الدُّعاء " انتهى.
وقال السندي في "حاشيته على سنن ابن ماجه" (1/355):" قَوْلُهُ ( حَتَّى يُفْطِرَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُعَاءَهُ تَمَامَ النَّهَارِ: مُسْتَجَابٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَفْظُ الدَّعْوَةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، لَا لِلْمَرَّةِ كَمَا هُوَ أَصْلُ الْبِنَاءِ "انتهى.
وقال محمد الأمين الأرمي الهرري في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه" (10/307):" قوله: " إن للصائم دعوةً ": الدعوة هنا للمرة، وهو ظاهر "انتهى.
ومن تتبع هذه الكلمة في السنة وجدها تدل أحيانا على المرة الواحدة، وأحيانا على مطلق الدعاء.
فمما رُوي ويقصد به دعوة واحدة:
ما روى البخاري في "صحيحه" (6304)، ومسلم في "صحيحه" (199)، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ».
وهنا يقصد بها دعوة واحدة مقطوع بإجابتها.
قال النووي في "شرح مسلم" (3/75):" ( لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ وَإِنِّي أُرِيدَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُؤَخِّرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القيامة ): هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضا، ومعناها أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ لَهُ دَعْوَةً مُتَيَقَّنَةَ الْإِجَابَةِ، وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِجَابَتِهَا، وَأَمَّا بَاقِي دَعَوَاتِهِمْ: فَهُمْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ إِجَابَتِهَا، وَبَعْضُهَا يُجَابُ وَبَعْضُهَا لَا يُجَابُ "انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (11/96):" وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمُجَابَةِ، وَلَا سِيَّمَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَقَطْ ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجَابَةِ فِي الدَّعْوَةِ الْمَذْكُورَةِ: الْقَطْعُ بِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ دَعَوَاتِهِمْ فَهُوَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ "انتهى.
وقيل: إن المراد بالدعوة المذكورة هنا: الدعوة العظيمة لأمته. قال الطيبي في "شرح المشكاة" (5/1704):" معنى قوله: ( لكل نبي دعوة مستجابة ) أن الله تعالي جعل لكل نبي دعوة واحدة مستجابة في حق أمته "انتهى.
ومما روي، ويقصد به مطلق الدعاء وجنسه:
قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة/186].
قال أبو حيان في "البحر المحيط" (2/206):" وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ: عُمُومُ الدَّعَوَاتِ، إِذْ لَا يُرِيدُ دَعْوَةً وَاحِدَةً، وَالْهَاءُ فِي: دَعْوَةَ، هُنَا لَيْسَتْ لِلْمَرَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَصْدَرُ هُنَا بُنِيَ عَلَى فَعْلَةٍ؛ نَحْو رَحْمَةٍ "انتهى.
وما رواه البخاري في "صحيحه" (755)، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:" شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ ، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ".
والشاهد فيه: أن سعد بن أبي وقاص دعا على الرجل الذي افترى عليه كذبا بثلاث دعوات، ومع ذلك قال الرجل:" أصابتني دعوة سعد ".
قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/240):" قَوْله: ( دَعْوَة سعد ): أفردها لإرادة الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَ دَعَوَاتٍ؛ وَكَانَ سَعْدٌ مَعْرُوفًا بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ " انتهى.
ومنها: ما أخرجه الترمذي في "سننه" (3762)، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ:«إِذَا كَانَ غَدَاةَ الاِثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ»، فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ فَأَلْبَسَنَا كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لاَ تُغَادِرُ ذَنْبًا، اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ».
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" (2962).
والشاهد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد العباس أن يدعو له ولولده دعوة، ثم دعا لهم دعوتين.
ولعل الأقرب: أنه لا يُقصد بها دعوة واحدة، وإنما مطلق الدعاء وجنسه، فإن الصائم أصلا يستجاب دعاؤه حال صومه، دون تقييد بعدد.
قال النووي في "المجموع" (6/375):" يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ». (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ). قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ (حَتَّى) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ؛ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الصَّائِمِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ إلَى آخِرِهِ، لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا فِي كُلِّ ذَلِكَ ". انتهى.
وقد نص ابن رجب وابن مفلح على أن يستحب أن يدعو المسلم بما يحب عند فطره.
قال ابن مفلح في "المبدع" (3/42):" وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (وَلِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ) "انتهى.
وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص232):" ودعاء الصائم مستجاب في صيامه، وعند فطره " انتهى.
وخلاصة الأمر:
أن دعاء الصائم حال صومه إلى أن يفطر مستجاب، وقد صحت بذلك الأحاديث، ولعل آكده أن يكون عند فطره، كما ورد في روايات أخر. وأن الظاهر في كلمة (دعوة): أنها لمطلق دعائه في هذه الحال، وإن لم يتقيد ذلك بمرة واحدة.
والله أعلم.