هل يجب الصوم على الفتاة إذا رأت شعر العانة الخشن
خالد عبد المنعم الرفاعي
قرأت فتوى لشيخ يقول فيها؛ أن الصيام يجب على الفتاة إذا ظهر الشعر الخشن حول العانة، وما كنا نعرفه أن الفتاة تلزم بالصيام إذا حاضت فقط، وأنا قد ظهر لي شعر العانة قبل الحيض، لكني لم ألتزم بالصيام إلا بعد الحيض لأني لم أكن أعلم، فهل القضاء واجب علي؟ وهل هناك دليل من الكتاب والسنة على ذلك، وهل العلماء متفقين على رأي واحد أم أن هناك اختلاف؟ أرجو تفصيل المسألة لي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:عنوان الرسالة:
فالراجح من قولي أهل العلم أن إنبات شعر العانة الخشن من علامات البلوغ ووجوب الصلاة والصوم وغيرها من حقوق الله.
جاء في المغني(4/345-346): " ويحصل – البلوغ - في حق الغلام والجارية بأحد ثلاثة أشياء، وفي حق الجارية بشيئين يختصان بها، أما الثلاثة المشتركة بين الذكر والأنثى، فأولها خروج المني من قُبله، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد، فكيفما خرج في يقظة أو منام، بجماع، أو احتلام، أو غير ذلك، حصل به البلوغ؛ لا نعلم في ذلك اختلافا؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 59]، وقوله: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: 58]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاث؛ عن الصبي حتى يحتلم"، وقوله - عليه السلام - لمعاذ: "خذ من كل حالم دينارًا"؛ رواهما أبو داود.
وقال ابن المنذر وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل، وعلى المرأة بظهور الحيض منها.
وأما الإنبات فهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل، أو فرج المرأة، الذي استحق أخذه بالموسى، وأما الزغب الضعيف، فلا اعتبار به، فإنه يثبت في حق الصغير، وبهذا قال مالك والشافعي في قول، وقال في الآخر: هو بلوغ في حق المشركين، وهل هو بلوغ في حق المسلمين؟ فيه قولان.
وقال أبو حنيفة لا اعتبار به؛ لأنه نبات شعر، فأشبه نبات شعر سائر البدن.
ولنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – "لما حكَّم سعد بن معاذ في بني قريظة، حكم بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤازرتهم، فمن أنبت، فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت، ألحقوه بالذرية".
وقال عطية القرظي: عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة، فشكوا فيَّ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينظر إلي، هل أنبت بعد، فنظروا إلي، فلم يجدوني أنبت بعد، فألحقوني بالذرية.
وكتب عمر - رضي الله عنه - إلى عامله، أن لا تأخذ الجزية إلا من من جرت عليه المواسي. وروى محمد بن يحيى بن حبان، أن غلامًا من الأنصار شبَّب بامرأة في شعره، فرفع إلى عمر، فلم يجده أنبت، فقال: لو أنبت الشعر لحددتك".
ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا، ويستوي فيه الذكر والأنثى، فكان علمًا على البلوغ كالاحتلام؛ ولأن الخارج ضربان متصل، ومنفصل، فلما كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ، كان كذلك المتصل.
وما كان بلوغًا في حق المشركين، كان بلوغًا في حق المسلمين، كالاحتلام، والسن". اهـ.
إذا تقرر هذا، فإن إنبات الشعر الخشن حول فرج المرأة دليل على البلوغ، ولكن من جهلت هذا الحكم وتركت الصلاة حتى رأت الحيض، فلا يجب عليها إعادة ما فاتها من صلاة أو صيام؛ لأن الأصول العامة للشريعة تدل على أن من ترك واجبًا ولا يعلم حتى خرج وقتها أنه لا إعادة عليه.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "النزاع بين العلماء في كلّ مَن ترك واجبًا قبل بلوغ الحجَّة، مثل ترْك الصَّلاة عند عدم الماء؛ يحسب أنَّ الصَّلاة لا تصحّ بتيمُّم، أو مَن أكَل حتَّى تبيَّن له الخيط الأبيض من الخيْط الأسود، ويحسب أنَّ ذلك هو المراد بالآية، كما جرى ذلك لبعْض الصَّحابة، أو مسَّ ذكره أو أكَلَ لحْمَ الإبل ولم يتوضَّأ، ثمَّ تبيَّن له وجوب ذلك، وأمثال هذه المسائِل: هل يجب عليه القضاء؟ على قولَين في مذهبِ أحمد وغيره... والصَّحيح الَّذي تدلّ عليه الأدلَّة الشرعيَّة: أنَّ الخطاب لا يثبت في حقّ أحدٍ قبل التمكُّن من سماعه؛ فإنَّ القضاء لا يَجب عليْه في الصُّور المذْكورة ونظائِرها، مع اتِّفاقهم على انتِفاء الإثم؛ لأنَّ الله عفا لهذه الأمَّة عن الخطأ والنِّسيان، فإذا كان هذا في التَّأثيم، فكيف في التَّكفير؟! وكثيرٌ من النَّاس قد ينشأ في الأمكِنة والأزمنة التي يندرِس فيها كثيرٌ من علوم النبوَّات حتَّى لا يبقى مَن يبلغ ما بعث". اهـ.
وقال في معرض كلامه في حكم من صلَّى بلا وضوء أو وهو جنب، ولا يعلم أنَّ الله أوْجب الوضوء والغسل: "وأصل هذا أنَّ حكم الخطاب: هل يثبت في حقّ المكلَّف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدَأُ دون النَّاسخ، والأظهر أنَّه لا يجِبُ قضاء شيء من ذلك، ولا يثبُت الخطاب إلاَّ بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 19]، ولقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن متعدِّد، بيَّن سبحانه أنَّه لا يعاقب أحدًا حتَّى يبلغه ما جاء به الرَّسول، ومَن علِم أنَّ محمَّدًا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلَم كثيرًا ممَّا جاء به - لم يعذِّبْه الله على ما لم يبلغْه، فإنَّه إذا لم يعذِّبْه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنَّه لا يعذِّبه على بعض شرائطه إلاَّ بعد البلاغ أوْلى وأحْرى، وهذه سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المستفيضة عنْه في أمثال ذلك؛ فإنَّه قد ثبت في الصِّحاح أنَّ طائفةً من أصحابه ظنُّوا أنَّ قوله تعالى: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ}[البقرة: 187]، هو الحبْل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدُهم يربِط في رجله حبلاً، ثمَّ يأكُل حتَّى يتبين هذا من هذا، فبيَّن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ المراد بياض النَّهار وسواد اللَّيل، ولم يأمرْهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطَّاب وعمَّار أجْنبا، فلم يصلّ عمر حتَّى أدرك الماء، وظنَّ عمَّار أنَّ التُّراب يصل إلى حيث يصل الماء، فتمرَّغ كما تمرَّغ الدَّابَّة، ولم يأمر واحدًا منهما بالقضاء.
وكذلك أبو ذر بقِي مدَّة جنبًا لم يصلّ، ولم يأمره بالقضاء؛ بل أمره بالتيمُّم في المستقبل.
وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيْضة شديدة تمنعُني الصَّلاة والصوم، فأمرها بالصَّلاة زمن دم الاستِحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.
ولمَّا حرم الكلام في الصَّلاة، تكلَّم معاوية بن الحكم السُّلمي في الصَّلاة بعد التَّحريم جاهِلاً بالتحريم، فقال له: ((إنَّ صلاتَنا هذه لا يصلُح فيها شيء من كلام الآدميِّين))، ولم يأمرْه بإعادة الصَّلاة.
ولمَّا زيد في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان مَن كان بعيدًا عنْه، مثل مَن كان بمكَّة وبأرْض الحبشة يصلُّون ركعتين، ولم يأمرْهم النَّبيُّ بإعادة الصَّلاة.
ولمَّا فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبرُ إلى مَن كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتَّى فات ذلك الشَّهر - لم يأمرْهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار لمَّا ذهبوا إلى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المدينة إلى مكَّة قبل الهجرة قد صلَّى إلى الكعبة، معتقدًا جوازَ ذلك، قبل أن يؤْمَر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبِلون الشَّام، فلمَّا ذكر ذلك للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمره باستِقْبال الشَّام، ولم يأمرْه بإعادة ما كان صلَّى.
وثبت عنْه في الصحيحين أنَّه سُئِل - وهو بالجعرانة - عن رجُل أحرم بالعمرة وعليْه جبَّة، وهو متضمّخ بالخلوق، فلمَّا نزل عليه الوحي قال له: ((انزع عنك جبَّتَك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتِك ما كنت صانعًا في حجِّك))، وهذا قد فعل محظورًا في الحج، وهو لبْس الجبَّة، ولَم يأمرْه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك بدم، ولو فعل ذلك مع العِلْم للَزِمه دم.
وثبت عنْه في الصَّحيحين أنَّه قال للأعرابي المسيء في صلاته: ((صلِّ فإنَّك لم تصلّ)) مرَّتين أو ثلاثًا، فقال: والَّذي بعثك بالحقّ ما أحسن غير هذا، فعلِّمْني ما يجزيني في الصَّلاة، فعلَّمه الصَّلاة المجزية، ولم يأمرْه بإعادة ما صلَّى قبل ذلك مع قوله: "ما أحسن غير هذا"، وإنَّما أمره أن يُعيد تلك الصلاة؛ لأنَّ وقتها باق، فهو مخاطَب بها، والَّتي صلاَّها لم تبرأْ بها الذمَّة، ووقْت الصَّلاة باقٍ، فهذا المسيء الجاهل إذا علِم بوجوب الطُّمأنينة في أثناء الوقْت، فوجبتْ عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلِهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها.
وكذلك أمْرُه لمَن صلَّى خلْف الصَّفّ أن يُعيد، ولمن ترك لمعةً من قدمه أن يُعيد الوضوء والصلاة، وقوله أوَّلاً: ((صلّ فإنَّك لم تصلّ)) تبين أنَّ ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنَّه كان جاهلاً بوجوب الطُّمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداء، ثمَّ علَّمه إيَّاها لمَّا قال: "والذي بعثك بالحقّ لا أحسن غير هذا". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.