حكم تزويج الولي الأبعد مع وجود الأقرب
خالد عبد المنعم الرفاعي
هل يجوز تزويج الولي الأبعد (الأخ) مع وجود الولي الأقرب (الأب) وذلك لأسباب اجتماعية؟ (الأب والأم منفصلين من ١٠ سنين والأب مهمل في حق أولاده ماديا ومعنويا ولا يسأل عنهم أو يصرف عليهم مع العلم أنه أظهر رغبته في التواجد والمشاركة في زواج ابنته ولكن الأم ترفض وجوده بشدة)
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن أحقّ النَّاس بِولايةِ النكاح الأب، ثُمَّ أبوهُ وإنْ علا، ثم الابن، ثُمَّ ابنُه وإنْ سفل، ثُمَّ الأخ الشَّقيق، ثُمَّ الأخُ لأبٍ، ثم أولادُهم وإن سفلوا، ثُمَّ العمُّ، فالأقْرَبُ فالأقْرَبُ في الميراث من العصبة.
وللولِيِّ شروطٌ من أهَمِّها: البلوغ والعقل والعدالة - ولو ظاهرًا - والرُّشد مع كونه عالمًا بِمصالح مُوَلِّيتِه، وإذا كان الأقْرَب ليس أهلًا للولاية انتقلتْ إلى مَنْ بعده، وإن سقطتْ ولايتهم جميعًا لكُفْرٍ أو إعْضالٍ، فإنَّ السلطان هو الذي يزوِّجها، ويقومُ مقامه القاضي؛ لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيُّما امرأةٍ نكحَتْ بِغَيْر إذن مواليها فنكاحُها باطل - ثلاث مرات - فإنْ دَخَلَ بِها فالمَهْرُ لَها بما أصاب منها، فإنْ تَشاجروا فالسلطان ولي مَن لا وليَّ له))؛ رواه أحمدُ وأبو داود والترمذيُّ عن عائشةَ، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع".
أما تزويج الولي الأبعد (الأخ) مع وجود الأقرب (الأب)، فالراجح من قولي أهل العلم أنه لا يصح النكاح بغير إذن الولي الأقرب؛ لأن الولي الأقرب استحق الولاية بالتعصيب، فلا تنتقل للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
وذهب الحنفية إلى أنه ينعقد موقوفًا على إجازة الأقرب وذهب الحنفية، وهو قول عند المالكية.
جاء في "المغني" (7/ 28): "إذا زوجها الولي الأبعد، مع حضور الولي الأقرب، فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه، لم يصح، وبهذا قال الشافعي.
وقال مالك: يصح؛ لأن هذا ولي، فصح له أن يزوجها بإذنها كالأقرب.
ولنا: أن هذا مستحق بالتعصيب، فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب، كالميراث، وبهذا فارق القريب البعيد". اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة:
"إذا عقد الولي الأبعد للمرأة في النكاح مع وجود الولي الأقرب بدون عذر شرعي للولي الأقرب، ولا وصية منه، فإن عقده باطل، ولا يصح معه النكاح؛ لأنه لا ولاية له على المرأة، مع وجود مستحقها وهو الولي الأقرب منه، لكن من يحق له أن يعقد". اهـ.
فإن رفض الأب تزويج ابنته انتقلت الولاية إلى الأخ.
"مجموع الفتاوى": قال شيخ الإسلام ابن تيمية في
"وإذا رضيت رجلاً وكان كفؤًا لها وجب على وليها - كالأخ ثم العم - أن يزوجها به، فإن عضلها وامتنع من تزويجها زوجها الولي الأبعد منه، أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء؛ فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤا باتفاق الأئمة؛ وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض، لا لمصلحة المرأة ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤًا لها لعداوة أو غرض. وهذا كله من عمل الجاهلية والظلم والعدوان، وهو مما حرمه الله ورسوله، واتفق المسلمون على تحريمه، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة لا في أهوائهم". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.