حكم من وقف بعرفة بغير ملابس إحرام

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

ماهو حكم من حج هذا العام بدون ملابس الاحرام يوم عرفه. اعنى وقف بعرفه بملابسه العاديه.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقد دل الكتاب والسنة وأجماع أهل العلم على أن للإحرام محظورات، فلا يحل للرجل المحرم أن يستر جسمه أو عضوا منه بشيء من اللباس المخيط على هيئة العضو، أو هيئة الجسم قطعة واحدة، فلا يلبس السراويل (البنطلون)، ولا القميص أو غيرها كالجوارب، أو أغطية الرأس؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما -أنَّ رجلاً سأل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما يلبس المُحْرِم من الثياب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يلبس القُمُص ولا العمائمَ ولا السَّراويلات ولا البرانسَ ولا الخِفاف؛ إلا أحد لا يَجِدُ نعلَيْنِ فليلبَسِ الخُفَّينِ وليقطعْهُما أسفلَ من الكعبين، ولا يَلْبَس من الثياب شيئًا مَسَّه الزَّعفران ولا الورس)).

إذا تقرر هذا، فإن من أحرم في ثيابه أو لبس ثيابه يوم عرفة؛ فإنَّ كان سبب ذلك هو العَجز عن ملابس الإحرام، فالواجب عليه أن يتجرد من المخيط ما يقدر عليه؛ فيُمْكِنُه أن ينزَعَ ثوبَه أو قميصَه ويلفَّه على صدْرِه أو يضعه على منكبيه، وأن يلْبَس السراويل؛ ففي الصحيحين أيضًا من حديثِ ابنِ عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: سَمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَخطب بعرفات يقول: ((مَن لم يَجدْ نَعلَيْن فليلبَسْ الخُفَّيْن، ومَن لَم يَجد إزارًا فليَلْبس سراويلَ للمُحْرِم))؛ متَّفق عليه.

وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا } [التغابن: 16]، ففي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".

قال ابن قدامة رحمه الله: "لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنَّ للمُحْرِم أن يلبس السراويل إذا لم يَجد الإزار، والخفَّين إذا لم يَجد النعلين. وبهذا قال عطاءٌ والثَّوري ومالكٌ والشَّافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وغيرهم" انتهى.

والراجح من قولي أهل العلم أنه لا يجب عليه الفِدْيَة؛ وهو مذهب الحنابلة والشَّافعية؛ واحتجوا بحديثِ ابْنِ عبَّاس السَّابق، وهو صريحٌ في الإباحة وإسقاط الفدية.

قال ابن حجر في "فتح الباري": "وقَوْله في حَدِيث ابن عَبَّاس ((ومَنْ لمْ يجِد إزَارًا فلْيَلبَسِ السَّرَاوِيل لِلمُحْرِمِ)) أَيْ هَذا الحُكْم لِلمُحْرِمِ لا الحَلال، فلا يَتَوَقَّف جَوَاز لُبْسه السَّرَاوِيل على فَقْد الإزَار". 

 أما إن كان واجدًا للإزار والرداء وإنما ترك لبسها لعدم حصوله على تصريح أو غير ذلك؛ فيجب عليه

فدية الأذى، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من فقراء مكة المكرمة أو في مكان فعل المحظور، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم؛ قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [البقرة: 196]، وسبب نزول الآية الكريمة كما في الصحيحين عن كعب بن عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: نزلت فيَّ، كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: "ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى أتجد شاة؟" فقلت: لا، فنزلت هذه الآية: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}،  قال: "صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع، طعاما لكل مسكين"، قال: فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة.

والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة، وأجمع أهل العلم على أنه مخير،، والله أعلم.