حكم أعياد الميلاد

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

هل الاحتفال بأعياد الميلاد (احتفال بسيط دون تكلف أو علانية) يؤدي الى الحصول على الذنوب وهل يمكن تناول الكعك في هذا اليوم وتبادل الهداية مع القناعة بكونه يوم مثل أي يوم آخر أم أن هذا من المنكرات؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع، بل هو من البدع المحدثة في الدين كما لا تجوز إجابة الدعوة إليها، لما في ذلك من تأييد للبدع والتشجيع عليها.

قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:18،19]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))؛ متفق عليه. وفي لفظ لمسلم وعلقه البخاري رحمه الله في "صحيحه" جازماً به: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد)).

 وقد بين - صلى الله عليه وسلم - أن الأعياد الإسلامية ثلاثة هي: يوم الجمعة وعيدا الفطر والأضحى، وما عداها فهي أعياد باطلة مبتدعة، كما أنها لم تكن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الكرام، ولا عرفت مثل هذه الأعياد إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة؛ مما يدل على أنها محرمة، وليس لها أصل في الإسلام؛ ولذلك لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما؛ فقال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر))؛ رواه أبو داود عن أنس ولو كانت الأعياد مجرد عادات ما أبدلها بأعياد المسلمين.

ثم إن هذه الاحتفالات مع كونها بدعة منكرة لا أصل لها في الشرع فهي مع ذلك، عادة دخيلة على المسلمين من عند اليهود والنصارى؛ ففعلها تقليد لأعداء الله تعالى وتشبه بهم، ((ومن تشبه بقوم فهو منهم)) كما صح عن الصادق المصدوق، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - محذراً من سنتهم وطريقتهم: ((لتتبعن سنة من كان قبلكم، حذو القَذَّة بالقَذَّة، حتى لو دخلوا حجر ضَبٍّ لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟))؛ متفق عليه.

وليُعلَم: أن الأعياد شريعة من الشرائع؛ فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع فالعيد قضية دينية عقدية، وليست عادات دنيوية محضة؛ قال الله تعالى في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} الآية [الفرقان:72] وقد فسرها كثير من العلماء بأعياد المشركين، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((لكل قوم عيد وهذا عيدنا وإن هذا عيدنا))؛ متفق عليه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (1/ 501): "فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما لما قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد؛ كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم، وكذلك أيضاً - على هذا -: لا ندعهم يشركوننا في عيدنا".

وقال: "وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين . ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً . وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع . وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه ".

هذا؛ والله أعلم.