الجمع والقصر لمن لا يعلم متى يرجع لبلده
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا دبلوماسي اشتغل في السفارة بأحدى الدول الافريقية ولا يوجد وقت محدد لعودتي لبلدي او مدة اقامتي هنا فهل يجوز لي الجمع والقصر او لا يجوز..
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ
فإنَّ كان الحال كما ذكرت أنه لا يوجد وقت محدد لعودتك إلى بلدك، فيجوز لك قصر الصلاة حتى ترجع إلى بلدك، هو أرجح أقوال أهل العلم، أن المسافر يقصر أبدًا ما لم ينوِ الإقامة المطلقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(24/136-138): "فالناس رجلان مقيم ومسافر؛ ولهذا كانت أحكام الناس في الكتاب والسنة أحد هذين الحكمين: إما حكم مقيم وإما حكم مسافر؛ وقد قال تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ }[النحل: 80]، فجعل للناس يوم ظعن ويوم إقامة، والله تعالى أوجب الصوم وقال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فمن ليس مريضًا ولا على سفر فهو الصحيح المقيم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة"، فمن لم يوضع عنه الصوم وشطر الصلاة فهو المقيم. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته بمكة أربعة أيام، ثم ستة أيام بمنى ومزدلفة وعرفة يقصر الصلاة هو وأصحابه؛ فدل على أنهم كانوا مسافرين، وأقام في غزوة الفتح تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة ومعلوم بالعادة أن ما كان يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة حتى يقال: إنه كان يقول اليوم أسافر غدا أسافر، بل فتح مكة وأهلها وما حولها كفار محاربون له، وسرى السرايا إلى النواحي ينتظر قدومهم، ومثل هذه الأمور مما يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام:- فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة، وكذلك في تبوك.
وأيضًا فمن جعل للمقام حدًا من الأيام: إما ثلاثة وإما أربعة وإما عشرة وإما اثني عشر وإما خمسة عشر، فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع وهي تقديرات متقابلة.
فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: إلى مسافر وإلى مقيم، مستوطن وهو الذي ينوي المقام في المكان وهذا هو الذي تنعقد به الجمعة وتجب عليه، وهذا يجب عليه إتمام الصلاة بلا نزاع؛ فإنه المقيم المقابل للمسافر، والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه إتمام الصلاة والصيام وأوجبوا عليه الجمعة وقالوا: لا تنعقد به الجمعة، وقالوا: إنما تنعقد الجمعة بمستوطن. وهذا التقسيم - وهو تقسيم المقيم إلى مستوطن وغير مستوطن - تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع.
إلى أن قال: ولو كان هذا حدا فاصلا بين المقيم والمسافر لبينه للمسلمين كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } [التوبة: 115]، والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس هو أمرًا معلومًا لا بشرع ولا لغة ولا عرف". اهـ. مختصرًا.
أما الجمع بين الصلاتين فليس مقتصرًا على المسافر، وإنما شرع الله الجمع بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر أو تأخيرًا في وقت العصر، وكذلك المع بين المغرب والعشاء تقديمًا أو تأخيرًا من أجل الحاجة والمصلحة الراجحة، ورفعًا للحرج، كا في صحيح مسلم عن ابن عباس، قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر"، في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: "كي لا يحرَج أمته"، وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/ 292): "وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه وللمرض ونحوه ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة".
وعليه فيجوز لك القصر إلى أن تعود لبدك، وأن تصلي كل صلاة في وقتها إلا أن تحتاج للجمع فتجمع،، والله أعلم.