لا أشعر بميل تِجاه خطيبَتي ولا أُحبُّها ولا أشتاقُ

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

أنا شخصٌ خاطِبٌ وكاتب الكتاب، ولكنّي لا أُحِسُّ بأيّ شيءٍ تِجاه خطيبَتي ولا أُحبُّها ولا أشتاقُ إليها، كلُّ ما في الأمرِ أنِّي تقدّمتُ إلى خِطبَتِها لأخلاقها ولأُسرتِها التي تتمتَّعُ بالخُلق الحَسَن، وهي تُصلّي والحمدُ لله وتُطيعُني في كلّ شيءٍ، ولكنْ أنا لا أُحِسّ بها مُطلقًا كما لا أستطيعُ الانجِذابَ إلى جَسَدِها، وذلك لوجود بعض الأشياء في جَسَدِها لا أحبُّ أنْ أراها في زوجتِي، وأخافُ ألا أستطيعَ الانجذابَ إلى جسدِها وأخافُ أنْ أظلِمَها مَعي بعدَ الزَّواج، وأنا الآنَ في حَيْرَةٍ مِن أمري هل أترُكُها قبلَ الدُّخول بِها؟ فأنا لا أستطيعُ أنْ آخُذَ القرارَ المناسِبَ فأرجو المساعدَةَ وإِعطائي الرأيَ السَّديدَ, وشُكرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالظَّاهِرُ منَ السُّؤالِ أنَّ العيوبَ الجسديَّةَ المذكورةَ ليستْ مِن عيوب النِّكاحِ التي نصَّ عليها الفُقهاءُ، ولكنْ عُمومًا إذا كانَ النِّكاحُ قدْ تمَّ بدونِ عِلمِك بهذه العيوبِ التي ذُكِرَت في السُّؤال، أولم تفعل ما يدُّل على الرِّضى به بعد اطِّلاعك عليه، وكانتْ العيوب مما يُنَفِّرُ الزَّوجَ مِن زوجَتِه بحيث لا يَحصُلُ معها مقصودُ النِّكاحِ منَ المودَّة والرَّحمة والذرية الصالحة، فلكَ أنْ تَفسخَ العقدَ، وقد ذَكَر أهلُ العلمِ ضابِطًا للمرضِ المُبيحِ للفسخ وهو: كل مرض منفِّرٍ منَ العِشرة الزَّوجيةِ، أو أنْ يكونَ المرض مانعًا منَ الوطءِ.

كما لكَ الحقُّ في أنْ تستَردَّ الشَّبكةَ، سواءٌ كانتْ جزءًا منَ الصَّداقِ أو كانت هديَّةً، إلا أنْ تَطيبَ نفسُكَ بالتَّنازل عنها.

أمَّا إنْ لم يَكُنِ العيبُ المشارُ إليه من أسباب النَّفْرة المتعارفِ عليها غالبًا، أو كنتَ تعلمُ به قبل الخِطْبةِ وَوَافقتَ عليه ولو كان مُنَفِّرًا، أو بَدَرَ منك ما يدل على الرضا به-: فإنَّه ليس لك الخيارُ في فَسخ العقدِ، فإن فارقتها - والحال كذلك - أعطيتَها نصف الصداق، ولو كانتِ الشَّبكةُ منَ الصَّداقِ، أو جرى العرفُ باعتبارها منه فتأخذ الزوجة نصف الشبكة أيضًا.  

وننصحُ السَّائلَ الكريمَ بالتأنِّي والصَّبر وعدمِ التَّسرُّع في الأمور إنْ كانت العيوب التي بزوجتِك مِمَّا يمُكن علاجُه وإِزالتُه أو التكيف معها، ولا تمنعُ الاستمتاعَ خاصَّةً أنَّك ذكَرتَ أنَّها خلوقةٌ وديِّنةٌ ومُطيعةٌ، وقلَّما تجدُ تلكَ الصِّفاتِ مُجتمِعةً في زوجةٍ، وتذكَّرْ قولَه تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيه خَيْرًا كَثِيْرًا} [النساء: 19]، وقولَ الرَّسولِ - صلّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَفْرِكْ مُؤمنٌ مُؤمِنةً إنْ كَرِه منها خُلقًا رَضِيَ منها آخَرَ)) يعني: لا يكره؛ رواه مسلم.

ولْتعلمْ رعاك الله أنَّ نعيمَ الدُّنيا ناقصٌ دائمًا والنعيم الكامل المقيم في جنة الخلد، فإنَّه لابدّ للرَّجلِ مِن زوجةٍ ولنْ يجدَ امرأةً كامِلةً منعدمة العيوب، فعليكَ بالرِّضى بِما قسَمه اللهُ لكَ تكنْ أغْنى النَّاس؛ كما صحَّ عنِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -

وإنَّ مِمَّا يُزهِّدُ الرجلَ في امرأتِه إطلاقُ بصَرِه في النِّساءِ المتبرِّجاتِ، فنوصيكَ بغضِّ الطَّرف عمَّا لا يَحِلُّ لكَ، فإذا أعجبتْك امرأةٌ أجنبِيَّةٌ فتذكَّرْ مناتِنَها وما هي عليه من معصيةِ الله تعالى.

قالَ ابنُ الجوزيِّ في كتابه الماتع "صيد الخاطر": "فإذا أعْجبتْكَ صورةُ امرأةِ فتأملْ خِلالَها الباطنةَ مُدَيْدة قبلَ أنْ يتعلَّقَ القلبُ بِها تعلُّقًا مُحكمًا، فإنْ رأيتَها كما تُحِبُّ - وأصلُ ذلكَ كلُّه الدِّينُ كما قال: ((عليْكَ بِذاتِ الدِّين)) فَمِلْ إليها واسْتَوْلِدْها".

وقالَ: "ليسَ في الدُّنيا حقيقةً لذَّةٌ ... فتفكَّرْتُ فعَلِمْتُ أنَّ النَّفسَ لا تقفُ عندَ حدٍّ بل ترومُ منَ اللذّاتِ ما لا مُنتهى له، كلَّما حَصَلَ لَها غَرَضٌ بَرَدَ عندَها وطلبتْ سِواه، فيفْنى العمرُ ويضْعُفُ البدنُ و يقعُ النَّقصُ ويرِقُّ الجاه ولا يحصُلُ المرادُ، وليس في الدُّنيا أبلهُ ممَّن يطلبُ النِّهايةَ في لذَّات الدُّنيا وليس في الدُّنيا على الحقيقةِ لذَّةٌ إنَّما هي راحةٌ مِن مُؤْلِمٍ.

فالسَّعيدُ مَن إذا حصَلتْ له امرأةٌ أو جارِيةٌ فمالَ إليها ومالتْ إليه وعَلِمَ سترَها ودينَها أنْ يعْقِدَ الِخنْصَرَ على صُحبتِها، وأكثرُ أسبابِ دوامِ مَحبَّتِها ألا يُطلِقَ بصَرَه، فَمتى أطلقَ بصَرَه أو أطْمَعَ نفْسَه في غيْرِها فإنَّ الطَّمعَ في الجديد ينُغِّصُ الخَلِقَ، وينقصُ المُخالَطةَ ويسترُ عيوبَ الخارج، فتميلُ النَّفسُ إلى الُمشاهَدِ الغريبِ ويتكَدَّرُ العيشُ مع الحاضِرِ القريبِ؛ كما قالَ الشَّاعرُ:

وَالمَرْءُ ما دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا = فِي أَعْيُنِ الحُورِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ = لا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ

ثمَّ تصيرُ الثانيةُ كالأولى وتطلُبُ النَّفسُ ثالثةً، وليسَ لِهذا آخرٌ بل الغضُّ عنِ المشتَهَياتِ ويأسُ النُّفوسِ مِن طلَبِ المستَحسَناتِ يُطِيبُ العيشَ مع المُعاشِر.

ومَن لم يقبلْ هذا النُّصحَ تعثَّر في طُرُق الهوى، وهَلَك على البارِدِ، ورُبَّما سَعى لِنفسِه في الهلاك العاجلِ أو في العارِ الحاضرِ؛ فإنَّ كثيرًا منَ المستَحسَناتِ لَسْنَ بِصَيِّناتٍ ولا يفي التمتعُ بِهنَّ بالعار الحاصلِ.

ومِنهُنَّ المُبذِّراتُ في المال ومِنهُنَّ المُبغِضَةُ للَّزوجِ وهو يُحبُّها كعابد صَنَمٍ".

أمَّا إذا كانتْ تلِكَ العيوبُ مِمَّا يتعذَّر عِلاجُه، أو إِزالَتُه أو يُكلِّفُك ذلك ما لا تَطيقُ ولا تريدُ البقاءَ مَعَها على ذلكَ، فلا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إِلا وُسعَها؛ فَلْتُطلِّقْها طلاقًا حَسَنًا؛ كما قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]،، والله أعلم.