حكم النوم بعد دخول وقت الصلاة المكتوبة
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته. يحصل كثيرًا عندما يدخل وقت الصلاة فأسمع الأذان، ولكنني أكون متعب جدًا فأستقلي على السرير لا إراديًا، ثم أحاول أن أخبر نفسي أنني يجب أن أقوم للصلاة و أصلي قبل أن أنام، لكنني أجد نفسي نائمًا، ثم أستيقظ عند وقت خروج هذه الصلاة. السؤال: هل أقضيها علمًا أنني لم أنم قبل سماع الأذان بل بعده، أم أصلي عنها صلاة توبة ولا أقضيها؟ و أرجو أن تدعوا لي بالثبات بالصلاة فإنني أحاول أن أحافظ عليها لكنني أنتكس بعض الأيام. وشكرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد دلّ الكتاب والسنة على تعظيم قدر الصلاة ومكانتها الكبيرة، فهي أول ما ينظر فيه من أعمال المسلم يوم القيامة؛ فإن حافظ عليها فاز وربح، وإن ضيعها خاب وخسر، وهي ككلمة التوحيد لا تسقط عن أحد قط مهما بلغ مرضه وانشغاله إلا بالموت، أو سقوط التكليف.
وهي عماد الدين، ومتى وقع عمود الخيمة سقطت جميعها، ولم ينتفع بها؛ كما روى أحمد وغيره عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد".
وقد شدد تبارك وتعالى الوعيد في شأنها، حتى علق سبحانه وتعالى الأخوة الإيمانية على التوبة من الشرك، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛ فقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11].
والمُحَافَظَةَ عَلَى وقتِ الصَّلَاةِ من أهم شُرُوطِهَا التي لا يَجُوزُ الإخلالُ بها، فلا يَجُوزُ إخراجُ الصَلَاةٍ عن وقتها بحالٍ، وقد نَقَلَ ابنُ القيم - رحمه الله - في أول كتاب الصلاة إجماعَ المُسلمين عَلَى أنَّ تَرْكَ الصلاةِ الواحِدَةِ المَفْرُوضَةِ حتى يَخْرُجَ وقتُها إثمٌ عظيمٌ أعظمُ مِنَ الزِّنَا، والسَّرِقَةِ، وشُرْبِ الخَمْرِ، وقَتْلِ النفس.
ومَنْ أخَّرَ الصلاة مِنْ غير عُذر كان آثمًا يستحقُّ العُقُوبة من الله - جلَّ وعلا - على ارتكابه هذه المعصية، وقد بالغ النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وأنَّ من نام عن الصلاة المكتوبة استحقَّ العذاب في البرزخ؛ فعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم من رؤيا؟))، قال: فيقصُّ عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: ((إنَّه أتاني الليلة آتيان، وإنَّهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإنِّي انطلقتُ معهما، وإنا أتَيْنا على رجلٍ مضطجعٍ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيَثْلَغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبعُ الحجَر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))؛ رواه البخاري.
وقد عقد الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه " تعظيم قدر الصلاة" (1/ 118-125)، بابًا في الوعيد على من أضاعها، فقال: "ثم توعد بالعذاب من أضاعها أو سها عنها فصلاها في غير وقتها أو رايًا بها؛ فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، ثم روى بإسناده عن عبد الله، في هذه الآية {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قال: "نهر في جهنم خبيث الطعم، بعيد القعر"، وروى عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفًا، ثم تنتهي إلى غي وأثام"، فقلت: ما غي وأثام؟ قال: "بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم، فهذا الذي ذكر الله في كتابه: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم: 59]، و{أَثَامًا}[الفرقان: 68].
ثم روى عن القاسم بن مخيمرة، {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}، قال: أضاعوها عن مواقيتها".
وروى بإسناده عمر بن عبد العزيز: "لم يكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا المواقيت".
وقال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، وروى عن سعد بن أبي وقاص، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الآية، قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها"، وروى عن مصعب بن سعد، قال: قلت لأبي: يا أبتاه، أرأيت قول الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذلك، ولكنه إضاعة الوقت". اهـ. مختصرًا.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(22/30): "فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة، ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فإن كان محدثًا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله، تيمم وصلى، وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء، أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانًا، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها، فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدًا أو على جنب، إذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يصلي بعد خروج الوقت قائمًا؛ وهذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، كما أن صيام شهر رمضان واجب في وقته، ليس لأحد أن يؤخره عن وقته". اهـ.
وقد ورد في السنة كراهة النوم قبل الصلاة المكتوبة حتى لا يعرضها للفوات، ولئلا يتساهل الناس في ترك صلاة الجماعة؛ ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان: "يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها".
وعليه؛ فلا يجوز النوم بعد دخول وقت المغرب لمَن علم من نفسه أن النوم سيغلب عليه حتى تفوته الصلاة؛ فإنه بذلك يكون مفرطًا ومضيعًا للصلاة، مستحقًّا للعقاب، ويجب عليه قضاء الصلاة،، والله أعلم.