وكيف أوفَّق بين ابني وحياتي الزوجية!
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة في الثلاثين مِن عمري، تزوَّجْتُ وأنْجَبْتُ طفلاً، ولم يَدُمْ زواجي إلا 3 سنوات، وانتهى بالطلاق، وكان السببُ عدم التكافُؤ.
بعد سنواتٍ تزوجتُ من رجلٍ آخر، وكان ظاهرُه الصلاح، ومُحَفِّظًا لكتاب الله، أخبرني أنه كان متزوجًا وطلق زوجته ولم يُنْجِب، وأنه يريد الزواج مني وتربية الولد؛ لعل الله يَرزقه بذُرِّيَّةٍ مني.
وافقتُ على الزواج منه مع الوعد بالحفاظ على ابني، وأن يظل في حضانتي وتحت رعايتي.
بعد الزواج استمر ابني معي مدة شهر ونصف، ثم انقلب الحال، فرأيتُ زوجي مُنزعجًا جدًّا من ابني، ثم صارَحني بأنه لا يريد تحمُّل مسؤولية هذا الولد، مع العلم أنه لا يَحْمل مسؤوليته ولا يهتم به، مع أنَّ ابني مريض، ويأخذ دواءً، والحمد لله لا أكلِّفه شيئًا من أموال الدواء أو المصروف أو غير ذلك.
أصبحتُ بين نارين: استمرار الحياة الزوجية، أو الانفصال للمرة الثانية حفاظًا على فلذة كبدي المسكين.
أبكي يوميًّا بحرارة على موقفي الصعب، والغريب أن زوجي غير مهتمٍّ، ويرى أنني مقَصِّرة في حقه في مقابل اهتمامي بابني، مع أن هذا غير صحيح.
استخرتُ الله، وفكرتُ أن أرسل الولد لفترة عند والده حتى تهدأ الأمورُ في بيتي، لكن للأسف بعد شهرٍ وجدتُ أن الولد بدأ يضيع؛ فقد قلَّ تحصيلُه الدراسي، وأهمل علاجه، حتى قال لي الولد: أنا مُشَتَّت، ولا أعرف كيف أعيش؟!
أخبرتُ زوجي بما أعانيه أنا وابني، لكنه يُغَيِّر الموضوع ولا يتحدَّث فيه، فما المخرَج لهذه المشكلة؟ وما الحل؟ وكيف أوفَّق بين ابني وحياتي وأكسب زوجي ولا أخسر ابني في الوقت نفسه؟
اخترتُ زوجي بناءً على كلامه لأبي ووَعْده بالحفاظ عليَّ وعلى ولدي، ورضاه بأن يكون ابني في رعايتي، لكن الآن انقلبت الموازين، وأشعر أن ابني يضيع مستقبله.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمما لا شك فيه أن نكول الزَّوج عن وعوده برعاية الطِّفل والرَّغبة في تربيته، رجاء أن يرزقه الله ذريَّةً طيِّبة؛ كما قطعه على نفسِه: هي خصلة من خصال النفاق، لا سيما إن صدرت من رجل ظاهره التديِّن الصَّلاح؛ فمن كانت هذا صفته كان حريًّا بالوفاء بالوعدِ أو الشَرط، وأن يتحلَّى بالحِلم والرَّحمة والرِّفق، فإنْ عسر عليه ذلك عوَّل على الصَّبر، ولكن قدَّر الله وما شاء فعَل؛ فقد اقتضَتْ حِكمةُ العليم الحكيم أن يكونَ متديِّنو زماننا على تِلك الصِّفة، فكيف الحال بغيرهم؟! والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
ومن المقرر عند أصاحب العقول الراجحة أن الزَّوجة العاقِلة هي مَن تتعامَل مع الأمور بواقِعية، بحيث تلبِّي كلَّ الاحتياجات، فتسدِّد وتقارِب، حتى تحافظ على ابنها حياتها الزوجيَّة، وتحقيق التفاهُم مع الزوج قدر المستطاع، والسعي في حلِّ الخِلافات التي قد تَطرأ بينهما، ولا بد من توخِّي الحِكمة لئلاَّ يترتَّب على ذلك تشتُّت الحياة الزوجية أو وضَياع الابن.
فمهما أمكنَكما التوصُّل لحلٍّ يَجمع بين المصلحتين فهو أفضل، فإن أَمكن بقاء الابن معَك والتفاهُم مع زَوجك ببيان حاجة ابنك لرعايَتك ومتابعتك وهو في هذه السنِّ الصَّغيرة وفي تلك الحالة المرَضيَّة، مع المحافظة على زوجك والسَّعي على إرضائه فهذا أفضل، ومن الممكن أن يتدخَّل والدُك في الأمر ويذكِّره بكلامه الأوَّل، وبالعهد الذي قطعَه على نفسه، واذكروا له ثانية أنَّكم لن تُكَلِّفوه شيئًا؛ فقَط أن يبقى اولد مع أمِّه وتحت رِعايتها حتى يَقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
أما إن أصرَّ على مَوقفه فإن كانت أمُّك مستعدَّة لتربية الصَّغير وأنتِ تتابعينه من حينٍ لآخر فهو حلٌّ جيِّد.
أمَّا إن تعسَّر أن يعيش ابنُك مع جدَّته، فليس أمامك وأمام زَوجك خيار آخَر، فاختاري ابنَك، ولْيَفعل زوجُك ما يُمليه عليه دينُه وخُلُقه وضميرُه؛ فقد روى البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَب أمَّ هانئ بنت أبي طالب، فقالَت: يا رسول الله، إنِّي قد كبرتُ، ولي عِيال، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ نِساءٍ رَكبنَ الإبل نساءُ قريش، أَحْنَاهُ على يَتيم في صغره، وأرعاه على زَوجٍ في ذات يده)).
قال الإمامُ النووي في شرحه على مسلم (16/ 80): "أحناه: أشفقه، والحانِية على ولدها: التي تقوم عليهم بعد يُتْمِهم فلا تتزوَّج، فإن تزوَّجَت فليسَت بحانِية؛ قاله الهرويُّ". اهـ.
وقال ابن بَطَّال في شرح صحيح البخاري (7/ 544): "قال المهلب: في هذا تَفضيلُ نِساء قريش على نِساء العرب، وذلك لمعنيين، أحدهما: الحنوُّ على الولد، والتهمُّم بأمره، وحُسن تَربيته وإلْطافه، والثاني: الحفظ بذات يَد الزَّوج وعونه على دَهره، في هاتين الخصلتَين تَفْضُل المرأة غيرَها عند الله وعند رسوله، وكذلك يُروى عن عُمر أنَّه مَدح المرأةَ التي تعين على الدَّهر ولا تعين الدَّهر عليك، وقال الحسَن في تفسير هذا الحديث: الحانية التي لا تزوَّج ولها ولد".
وجاء في "طرح التثريب في شرح التقريب" (7/ 14): "وقوله: ((على ولد))؛ قد عرفتَ أنَّ في الرِّواية الأخرى: ((على يتِيم))، فقد يُجعل هذا من الإطلاقِ والتَّقييد، ويُحمل المطلَق على المقيَّد، وقد يُقال: هو من ذِكر بعض أَفراد العموم، فهي حانِية على ولَدها مطلقًا، لكن الذي تقوى حاجتُه إلى حنوِّها هو اليتيم، أمَّا مَن أبوه حيٌّ فمستغنٍ عنها برفد أَبيه، ولذلك قيَّد الولدَ بالصغر لاستغنائه عن حنوِّ الأمِّ بعد كبره".
والحاصلُ أنَّه عند التَّعارُض وعدم تمكُّنكِ من الجَمع بين مصلحة البقاء مع الزَوج والحفاظ على الابن، وعدم تمكن أم الأم من رعاية الصغير:- فتقدِّم بلا تردد مَصلحة الابن؛ لأن حقه أوكد، فاطلبي الطلاق لتتمكني من رعاية الابن؛ لأنك تزوجتي على ذلك الشرط؛ ومن تَرك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه،، والله أعلم.