زوجتي تدعو عليّ بالشر فهل يستجاب لها
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم زوجتي أحبها وتحبني الحمدلله ولكنها تؤذيني بلسانها، في كل مرة نتخاصم تقوم بالدعاء علي على اشياء بسيطة ولا تستحق، تقول لي "حسبي الله ونعم الوكيل فيك"، "اسال الله ان يأخذ لي حقي منك يوم القيامة"، "والله لن اسامحك ابدا"، " أنا خصمك أمام الله يوم القيامة" اخاف أن يتقبل الله منها واخسر ٱخرتي بدعائها عليا، قالت لي هذا ليس من قلبي ولكن يخرج مني عندما اكون غاضبة السؤال هل أنه اذا لم أظلمها ولم أقصر في حقها وهي تدعو عليا بهذا وأنا لم اقصر في حقها، فهل أن الله سبحانه يمكن أن يتقبل دعائها
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمما لا شك فيه أن دعاء الزوجة على زوجها كما ورد في السؤال من أقبح النشوز؛ فالزوج سيد لزوجته كما قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، أي زوجها؛ وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صحّ عند الترمذي: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم"، يعني: أسرى في أيديكم.
والشَّارع الحكيم أمرَن كلا الزَّوجيْن بِحُسن المعاشرة، وجعل لكُلٍّ من الزَّوجين حقوقًا على الآخَر وعليه واجبات، وأمر كلاًّ منهُما أن يُحافِظ على حقِّ صاحبِه؛ حتَّى تصل الحياة الزَّوجيَّة بيْنهما إلى أوْج الكمال، وتؤتي ثِمارها الطيِّبة، ويتحقَّق الغرض الأسمى الذي من أجلِه شرعَ الله الزَّواج، وهو السَّكن والمودَّة، والتَّراحُم بين الزَّوجين، والزَّوجة سكَنٌ لزوجِها، ولا يتحقَّق ذلك إلاَّ بأن تؤدِّي الزَّوجة وظيفتَها الفِطْريَّة في توْفير البيت الدَّافئ المستقرِّ، وهذا هو معنى السَّكَن؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وقال {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80].
ولتحقيق السكن والمودة والرحمة في البيت يتعين على كلا الزوجين غض الطرف عن مقتضى الكراهة، من الأخلاق الذميمة، والنظر لما يحب من الأخلاق الجيدة، وهذا من العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فلا يوجد رجل ولا امرأة بلا عيب، فهذه طبيعةُ البشر، والسعيدُ مَن يَنظر إلى الإيجابيات ويتحفَّى بها، ويتجنب السلبيات ولا يضخمها، فإن لم يستطع هذا فلا أقل من الإنصاف، وهو الموازنة بين الحسنات والنقائص، وأيهما رجحتْ كفتُه ملت إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بهذا؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِه منها خلقًا رضِي منها غيره))؛ رواه مسلم، وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]؛ أي: ينبغي عليكم - أيها الأزواج - أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهنَّ، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا.
أيضًا فإن الله تعالى جعل الزوج قيمًا على زوجته فهو رئيس البيت، ومن ثمّ أوجب الله على الزوجة طاعة زوجها؛ قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228].
أما السنة المطهرة فقد وردت أحاديث كثيرة تتصدع منها قلوب المؤمنات الصادقات، تحث على طاعة الزوج، وترهب من عصيانه وترفع من جنابه، منها ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عَن أبي هُرَيْرةَ عَن النَّبِيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - قالَ: ((لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها، ولا تُؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله، حتى تؤدس حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها - وهى على ظهر قتب - لأعطتها إياه))؛ فطاعةُ الزوجة لزوجها مِن أوجب واجبات الشرع، ما لم تكن في معصية الله تعالى، وهي مقدَّمة على طاعة كل أحد، حتى الوالدين،
أمَّا دعاء الزَّوجة على على زوجها فهو من النشوز كما ذكرنا، كما أنه من التَّعدِّي في الدُّعاء والظلم؛ كما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك، فقال: ((لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً؛ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ))؛ رواه مسلم، وقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يَزالُ يُستجاب للعَبْدِ ما لم يَدْعُ بِإثْمٍ أو قَطيعةِ رَحِمٍ؛ ما لم يَسْتَعْجِل))؛ رواه مسلم والترمذي عن أبي هُريرة، وروى أحمدُ وأبو داود وابْنُ ماجه عن عبدالله بن المُغَفَّل قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((إنَّه سيكون في هذه الأُمَّة قوم يعْتَدُون في الطُّهور والدُّعاء)).
فالله تعالى لا يستجيب الدعاء المشتمل على القطيعة، كما لايستجيب دعاء المعتدي؛ وقد قال تعالى:
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس:11]؛ قال مجاهد - كما علقه البخاري في صحيحه -: "قول الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللهم لا تبارك فيه والعنه، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، لَأُهلِكَ مَن دُعِيَ عليه ولَأَماتَهُ"، ورواه الطبريُّ بلفظٍ مختصرٍ قال: "فلو يُعجِّل اللهُ لهم الاستجابة - في ذلك - كما يُستجاب في الخير، لأهلكهم، ومن طريق قتادة قال: هو دعاءُ الإنسان على نفسه وماله بما يكره أن يُستجاب له".
وجاء في "تفسير الطبري": "يقول - تعالى ذكره -: ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرِّ، وذلك فيما عليهم مضرَّةٌ في نفسٍ، أو مال، استعجالَهم بالخير، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}؛ يقول: لَهَلكوا، وعُجِّلَ لهم الموت، وهو الأجلُ". اهـ.
هذا؛ ويجب عليك النصح لزوجتك، وبين لها ما ورد في الفتوى من أحكالم وأدلة قد تجهلها،، والله أعلم.