هل عذب قوم لوط بسبب الفاحشة فقط

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

هل أعطى الله فرصة لقوم لوط لكي يتوبو وهل عذبهم على الفاحشة فقط لأن كل العلماء يقولون أنهم عذبو على الفاحشة و لم يذكرو كفرهم

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن المتأمل لكتاب الله تعالى، وما قصه علينا من أنباء الأمم قبلنا علم أن من عدل الله سبحانه أن جعل العذاب على كل أمم الكفر بقدر إجرامهم؛ قال تعالى: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر: 24]، وقال: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الطور: 16]، حتى أنه سبحانه حذّر وخوف من مثل عملهم حتى لا يلحقهم نفس الوعيد؛ فقال سبحانه وتعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود: 83]، فعوقبوا على كفرهم، ثم غُلّظ عليهم العذاب لشناعة ما اقترفوه من إثم؛ كما ذكر الله عن نبيه لوط لقومه: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80]، إلى قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[الأعراف: 84]، فأكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم؛  وصرح بما تشمئز منه القلوب، وتنبو عنه الأسماع، وتنفر منه الطباع أشد نفرة، وهو إتيان الرجل رجلاً مثله ينكحه كما ينكح الأنثى؛ فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 81]، وقال سبحانه: { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74]، وقال: { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 29، 30].

والحاصل أن اللوطية لما عكسوا فطرة الله التي فطر الله عليها الرجال، وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور، وهي شهو ة النساء دون الذكور؛ فغلظت عقوبتهم، واستحقوا الجزاء العظيم بأن قلب الله سبحانه عليهم ديارهم، وجعل عاليها سافلها؛ كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود: 82، 83].

وقد بين شيخ الإسلام ابن القيم - رحمه الله – تلك القاعدة أعني تخفيف العذاب وتغليظه، في كتابه "التبيان في أقسام القرآن" (ص: 25) فقال: "وذكر في هذه السورة -يعني سورة: الشمس- ثمود دون غيرهم من الأمم المكذبة؛ فقال شيخنا -شيخ الإسلام ابن تيمية-: هذا - والله أعلم - من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ فإنه لم يكن في الأمم المكذبة أخف ذنباً وعذاباً منهم، إذ لم يذكر عنهم من الذنوب ما ذكر عن عاد ومدين وقوم لوط وغيرهم؛ ولهذا لما ذكرهم وعادًا قال: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: 15 - 17]، وكذلك إذا ذكرهم مع الأمم المكذبة لم يذكر عنهم ما ذكر عن أولئك من التجبر والتكبر والأعمال السيئة :كاللواط وبخس المكيال والميزان والفساد في الأرض؛ كما في سورة هود والشعراء وغيرهما، فكان في قوم لوط مع الشرك إتيان الفاحشة التي لم يسبقوا إليها، وفي قوم عاد مع الشرك التجبر والتكبر والتوسع في الدنيا،  وشدة البطش وقولهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15].

وفي أصحاب مدين مع الشرك الظلم في الأموال، وفي قوم فرعون مع الشرك الفساد في الأرض والعلو، وكان عذاب كل أمة بحسب ذنوبهم وجرائمهم: فعذب قوم عاد بالريح الشديدة العاتية التي لا يقوم لها شيء، وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك والرجم بالحجارة من السماء، وطمس الأبصار، وقلب ديارهم عليهم، بأن جعل عاليها سافلها، والخسف بهم إلى أسفل سافلين. وعذب قوم شعيب بالنار التي أحرقتهم وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان. وأما ثمود فأهلكوا بالصيحة فماتوا في الحال؛ إذا كان عذاب هؤلاء وذنبهم مع الشرك عقر الناقة التي جعلها الله آية لهم، فمن انتهك محارم الله واستخف بأوامره ونواهيه وعقر عباده وسفك دماءهم كان أشد عذاباً.

أما هل أعطوا مهلة كي يتوبوا؟ فالجواب أنهم منذ أرسل الله إليهم نبيهم وهم في مهلة؛ لإقامة الحجة الرسالية عليهم، والتي هي شرط في وقوع العذاب، فلما تمادوا أهلكهم الله؛ قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، وقال: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر: 78]، والآيات بهذا المعنى كثيرة،، والله أعلم.