تمني المرض لعدم الوقوع فى المعصية

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يغلبني الشيطان واكرر معصية معينة مهما اتوب منها واعزم على عدم التكرر وفى بعض الأحيان اصاب بمرض ينهك جسمى وهنا فقط لا اقوم بهذه المعصية ، ومن فرحتى بأنتصارى على ذنبى دعوت ان اظل مريضا حتى لا أقع فى المعصية ، فهل هذا جائز ؟ واسئلكم الدعاء بالثبات وتفريج الكروب وذهاب الهموم

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد حذرنا رسول الله- صلَّى الله عليْه وسلَّم - من الدعاء على النفس كما في الصحيح قال:" لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم».

كما أن الدعاء على النفس من التعدي في الدعاء، وروى أحمدُ وأبو داود وابْنُ ماجه عن عبدالله بن المُغَفَّل قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((إنَّه سيكون في هذه الأُمَّة قوم يعْتَدُون في الطُّهور والدُّعاء)).
أما علاج الضعف والانهزام أمام المعصية فلا يكون بالمرض والضعف عنها، وإنما بالاستعانة بالله تعالى والاستعاذة به من شر النفس والشيطان، وحسن التوكل عليه، ودعائه بالتوفيق للصدق في التوبة، وأخذ النفس بالقوة وعدم التهاون معها، وتقوية القلب بالأعمال الصالحة، وإدمان الذكر، وقراءة القرآن العظيم بتدبر.
فالمداومة على العمل الصالح تثمر داوم التوجُّه إلى الله تعالى بالدعاء والضراعة بإخلاص واستسلام وافتقار؛ 

قال الله عز وجل: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، والإخلاص في الدُّعاء هو الاعتقاد الجازم بأنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ - هو القادر وحدَهُ على قضاء الحاجاتِ، وعن سلمانَ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ رَبَّكُمْ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - حَيِىٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا))؛ رواه أبو داود، فلم يبق إلا إخلاص الاعتصام بالله والثقة رحمة الله سبحانه بعباده، وعلمه بما يُصلحهم.

قال الإمام ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - في كتابه "الدَّاءُ والدَّواءُ": "والأدعيةُ والتَّعوُّذاتُ بمنزلة السِّلاح، والسِّلاحُ بضارِبِهِ، لا بِحَدِّهِ فقط. فمتى كان السِّلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفةَ به، والسَّاعِدُ سَاعِدٌ قويٌّ، والمانعُ مفقودٌ؛ حَصَلَتْ به النِّكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثيرُ".

والحاصل أن العلاج تكرار الذنب هو الافتقار لرحمة الله تعالى، والدعاء بيقين، والعزم الصادق على عدم العود، والجزم في الطلب، واليقين في الإجابة؛ فالله سبحانه وعد الله المضطر بالإجابة؛ فقال: {أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}.

جاء في الظلال عند قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]:

"وللدعاء أدب لا بدَّ أن يُراعى، إنه إخلاص القلب لله، والثقة بالاستجابة مع عدم اقتراح صورة معيَّنة لها، أو تَخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال، والاعتقاد بأن التوجُّه للدعاء توفيق مِن الله، والاستجابة فضل آخر، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة إنما أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه"، وهي كلمة القلب العارف، الذي يُدرك أن الله حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء، فهما - حين يوفِّق الله - مُتوافقان مُتطابقان".

هذا؛ والله أعلم.