حكم نكاح الزانية والسحاقية

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

هل اللواط أو ملامسة النساء ملامسة داخلية بقصد له تأثير بعد التوبة على الزواج فهل ينكح إلا التي فعلت مثل ما فعل أو مشابة الفعل هي السحاق لأنه بنفس الجنس أو ينكح زانية أو مشركة؟ وإذا كان مشروطاً بهذه الآية حتى بعد التوبة الزاني لا ينكح إلا زانية هذا يعتبر زنى اللواط أو ملامسة النساء ملامسة داخلية قصدية في الأخير نصل إلى أن اللواط أعظم من الزنى وأقبح فما الحكم؟ نظراً أن الأعظم كان من الزنى لا ينكح إلا زانية أو مشركة إذا لم تتوفر الأدلة الثابتة لأن الآية واضحة، الجزء الثاني : ما عقابهم بعد التوبة.

الإجابة:

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثمَّ أمَّا بعد:

فالذي فهمناه من كلام الأخ السائل أنه يسأل عن زواج من تحرش بامرأة جسديًا، أو وقع في اللواط، ولكنه تاب، فهل يتزوج بامرأة فعلت مثل ما فعل، سواء زانية أو سحاقية!

والذي يظهر أن السائل فهم آية نكاح الزانية على غير وجهها، أعني قوله تعالى: { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، والآية تدل على أن الزاني الذي لم يتب لا يجوز أن يتزوج عفيفة، والزانية التي لم تتب لا يصح الزواج بها، هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. فنكاح الزانية دياثة وقوادة، ولا يفعل ذلك إلا زان مثلها أو مشرك لا إيمان له يزجره عن الفواحش، وتزويج الزاني الذي لم يتب من العفيفة باطل؛ لأن الكفاءة الدينية معتبرة.

جاء في "مجموع الفتاوى" (15/ 316-319): "... فعلم أن الإيمان يمنع من ذلك - أي: الزواج من الزانية - ويزجر وأن فاعله إما مشرك وإما زان ليس من المؤمنين الذين يمنعهم إيمانهم من ذلك؛ وذلك أن الزانية فيها إفساد فراش الرجل، وفي مناكحتها معاشرة الفاجرة دائمًا ومصاحبتها، والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه، وهذا المعنى موجود في الزاني؛ فإن الزاني إن لم يفسد فراش امرأته كان قرين سوء لها، كما قال الشعبي: من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها، وهذا مما يدخل به على المرأة ضرر في دينها ودنياها. فنكاح الزانية أشد من جهة الفراش، ونكاح الزاني أشد من جهة أنه السيد المالك الحاكم على المرأة، فتبقى المرأة الحرة العفيفة في أسر الفاجر الزاني، الذي يقصر في حقوقها ويتعدى عليها؛ ولهذا اتفق الفقهاء على اعتبار الكفاءة في الدين، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة.

واختلفوا في صحة النكاح بدون ذلك، وهما قولان مشهوران في مذهب أحمد وغيره؛ فإن من نكح زانية مع أنها تزني فقد رضي بأن يشترك هو وغيره فيها، ورضي لنفسه بالقِيادة والدِياثة، ومن نكحت زان وهو يزني بغيرها فهو لا يصون ماءه حتى يضعه فيها، بل يرميه فيها وفي غيرها من البغايا، فهي بمنزلة الزانية المتخذة خدنًا. فإن مقصود النكاح حفظ الماء في المرأة وهذا الرجل لا يحفظ ماءه؛ والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين فقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]، وهذا المعنى مما لا ينبغي إغفاله؛ فإن القرآن قد نصه وبينه بيانًا مفروضًا كما قال تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1]

والمقصود قوله {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}،  يدل على أن الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، وإن ذلك حرام على المؤمنين، وليس هذا لمجرد كونه فاجرًا، بل لخصوص كونه زانيًا، وكذلك في المرأة ليس لمجرد فجورها، بل لخصوص زناها؛ بدليل أنه جعل المرأة زانية إذا تزوجت زانيًا، كما جعل الزوج زانيًا إذا تزوج زانية، هذا إذا كانا مسلمين يعتقدان تحريم الزنا، وإذا كانا مشركين فينبغي أن يعلم ذلك، ومضمونه أن الرجل الزاني لا يجوز نكاحه حتى يتوب؛ وذلك بأن يوافق اشتراطه الإحصان، والمرأة إذا كانت زانية لا تحصن فرجها عن غير زوجها بل يأتيها هو وغيره كان الزوج زانيًا". اهـ. مختصرًا.

إذا تقرر هذا، فلا يجوز الزواج من الزاني أو الزانية، ولا من اللوطي ولا السحاقية حتى تتوبا؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له والعبرة في الإنسان بما هو عليه الآن.

أما عقابه بعد التوبة، فإن التوبة الصادقة تغفر الذنب؛ ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، وقرأ آية النساء، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئًا من ذلك فستره الله، فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".

هذا؛ والله أعلم.