لماذا يقولون بعض الفقهاء هذا القول الراجح

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

 لماذا يقولون بعض الفقهاء هذا القول الراجح ربما يكون هذا قول خطأ؟ أقصد هذه الكلمه الراجح خطأ لان يمكن احد ان بعلم ما هو الصواب في الفتاوى المختلف بها.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:

فإن المراد باصطلاح الراجح أو الترجيح عند أهل العلم، هو تقديم المحتمل الأقوى في نظر الفقيه، ويقابله: المرجوح.

أما مناط الترجيح فيرجع إلى قواعد ومسلمات شرعية وعقلية معلومة عند الأئمة، ومنع العلماء من الترجيح من غير مرجح.

وقد حصر السيوطي أوجه الترجيح في أقسام ثمانية، وتحت كل قسم فروع كثيرة.

والترجيح يحصل بالأدلة الصحيحة، ودلالات الألفاظ، ودلالة السياق، ودلالة المنطوق وهي الفحوى، والمفهوم، والعام والخاص والمطلق والمقيد، والأقيسة الصحيحة.

هذا؛ سنذكر أمثلةً تقريبًا للمعنى:

فمنها: الترجيح بالأحوط، غير أنها ليست من الأصول التي يصح طردها، حيث إن الأحوط في أكثير الموارد يكون هو الأشد، وهو يخالف أصل الشريعة.

ومنها: الترجيح بقول الأكثرين، كقول جمهور الأئمة الأربعة، أو بما عليه الجمهور من أئمة السلف، أو بما عليه أكثر أهل العلم، مع الأخذ في الاعتبار أنها لا تستقل وحدها بالترجيح.

ومنها: الترجيح بما عليه العمل، كما يقول الترمذي في سننه تعليقًا على بعض ما يرويه من الأحاديث: وهذا عليه العمل عند أكثر أهل العلم، أو ينقل أن أكثر الصحابة كانوا يعملون كذا، وكترجيح الإمام أحمد كفر تارك الصلاة كسلاً؛ لكون المروي عن جمع من الصحابة ولا يعلم لهم مخالف.

 وكترجيحه أيضًا المسح على الجوارب لأنه المروي عن الصحابة.

ومنها: الترجيح بالأظهر في السنة، كترجيح الإمام أحمد رحمه الله وجوب صلاة الجماعة؛ لأن ظاهر نصوص النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر السنة العزم في صلاة الجماعة.

ومنها: ترجيح النص على الظاهر، والنص ما لم يحتمل غيره، والظاهر ما احتمل غيره احتمالاً مرجوحًا.

ومنها: الترجيح باستصحاب أصل أو قاعدة، مثل الترجيح بأن الشارع الحكيم اعتبر سد الذرائع في بعض الأحكام، فيرجح الإمام أو الفقيه قولًا؛ سداً للذريعة.

كاستصحاب قاعدة: (المشقة تجلب التيسير)، أو قاعدة: (الأصل الجواز)، أو الأصل في اللحوم الحظر.

ومنها: الترجيح بالملائم الخاص، أي: الملائم لحال المستفتي، غير أنه يتطلب تضلعًأ من الدلائل والقواعد ومذاهب السلف؛ لشدة دقته وخفائه.

ومنها: الترجيح بالملائم العام، أي ما يلائم مجتمع من المجتمعات، وكثيرًا ما يستعمل في الملابس والماكل ونحوهما.

ومنها الترجيح بالعام: مثل ترجيح أن من علَّق طلاق امرأته كقوله: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا، فهذا يمين باتفاق أهل اللغة، واتفاق طوائف الفقهاء، واتفاق العامة، واتفاق أهل الأرض، إذا كان كارهًا للشرط وكارهًا للجزاء مطلقًا. وإنما التزمه عند وقوع الشرط ليمنع نفسه، أو غيره ما التزمه من الشرط، أو ليحض بذلك= وهذه معاني اليمين؛ فاليمين ما تضمنت حضًا، أو منعًا، أو تصديقا، أو تكذيبا= بالتزام ما يكره الحالف وقوعه عند المخالفة.

وإذا كان تعليق الطلاق بهذا المعنى فيدخل في عموم قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89]، وقوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير".

قال الإما الشاطبي في "الموافقات" (5/ 255): "..... فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده؛ فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتباعه والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق- " يشير إلى الحديث الضعيف "اللهم ارحم خلفائي"- بل القسم الذي هو فيه مبلِّغ لا بد من نظره فيه من جهة فَهم المعاني من الألفاظ الشرعية، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام، وكلا الأمرين راجع إليه فيها؛ فقد قام مقام الشارع أيضا في هذا المعنى.

وعلى الجملة؛ فالمفتي مخبر عن الله كالنبي، وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي، ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي، ولذلك سموا أولي الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله؛ في قوله تعالى: {يا أيها الذين {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]". اهـ.

وجاء في "أصول البزدوي"(ص: 292) -في معرض كلامه على أوجه الترجيح-: "... الترجيح بقوة الأثر، والترجيح بقوة ثباته على الحكم المشهود به، والترجيح بكثرة أصوله، والترجيح بالعدم عند عدمه".

إذا تقرر هذا ، علم أن الترجيح من أعظم أحوال المجتهدين، وقائم على ما يحصل به غلبة الظن على الحكم ، ومتى اقترن بأحد الدليلين ما يقويه ويغلب جانبه وحصل بذلك الاقتران زيادة ظن، أفاد اليقين والترجيح،، والله أعلم.