معنى قول النبي: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في صحيح الإمام مسلم رقم 2539 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ لَمَا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لاَ تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ " . أي في 9ه، كيف نجمع بين هذا وكون الصحابي أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني توفي سنة 110ه
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالحديث المذكور رواه مسلم في صحيح عن جابر بن عبد الله، وعن حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال ذلك قبل موته بشهر أو نحو ذلك: "ما من نفس منفوسة اليوم، تأتي عليها مائة سنة، وهي حية يومئذ"
وفي الصحيحين عبد الله بن عمر، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، صلاة العشاء، في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد"، قال ابن عمر: (فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن".
ولفظ مسلم يدفع الإشكال، وهو غاية في البيان حيث قال: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم"، وكذلك حديث ابن عمر، وقوله رضي الله عنه: "يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن"، ومعلوم أن قول راوي الحديث وفهمه معتبر، وقد أخذ شراح الحديث بتفسير ابن عمر، وهو فحوى الحديث، والمراد أن ينقرض كل البشر الذي كانوا أحياء على الارض في تلك الليلة قبل تمام مائة سنة. فهو إخبار عن ذلك القرن بالذات. الذي هو فيه فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة.
والقرن: أهل زمن، وانخرامه ذهابه وانقضاؤه؛ كما في قال في النهاية.
جاء في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 3498): "قال القاضي - رحمه الله: أراد بالساعة انقراض القرن الذين هم من عدادهم؛ ولذلك أضاف إليهم، وقال بعضهم: أراد موت كل واحد منهم". اهـ.
وقال صاحب "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (5/ 97): "وغرض ابن عمر: أن الناس ما فهموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المقالة، وحملوها على محامل كلها باطلة، وبيّن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بذلك انخرام القرن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك، وهو القرن الذي كان هو فيه، بأن تنقضي أهاليه، ولا يبقى منهم أحد بعد مائة سنة، وليس مراده أن ينقرض العالم بالكلية، وكذلك وقع بالاستقراء، فكان آخر من ضبط عمره ممن كان موجودًا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه: إنه بقي إلى سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إعلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أعمار أمته ليست تطول كأعمار من تقدم من الأمم السالفة؛ ليجتهدوا في العمل". اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر كما في "فتح الباري"(2/ 75): "وقد بين بن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مراده أن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخرم ذلك القرن، فلا يبقى أحد ممن كان موجودًا حال تلك المقالة، وكذلك وقع بالاستقراء؛ فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه إنه بقي إلى سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.