هل خطأ الإمام في الصلاة يعم المأمومين

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم لدي بعض الأسئلة: كنت أصلي في أحدى المساجد ،ومرة صليت خلف الإمام مباشرة ورأيت يقول تكبيرة الإنتقال حتى يركع تماما وعلمت من أحد العلماء أن هذا مبطل لصلاة مع العلم أن لدي الكثير من الصلوات خلف هذا الإمام فهل علي حساب تلك الصلوات وقضائها؟ السؤال الثاني :حدث لي نفس المشكل مع إمام أخر بحيث كان لا يشدد في الياء في الفاتحة ( إياك نعبد و إياك نستعين) و كنت أستمر في صلاة خلفه بحيث كنت أقول أنها وساوس لأنني أعني من الوساوس القهري.فهل علي حرج؟

الإجابة:

 

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرت أن الإمام لا يقول تكبيرة الانتقال حتى يركع، فهذه صفة صحيحة قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد تنوعت الأحاديث في محل تكبيرة الانتقال، فوردت أنها تكون قبل الركوع، أو بعده، أو مقارنًا للنزول للركوع؛ ففي حديث أبي حميد الساعدي الآتي: يديه "حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر وركع"، وفي حديث المسيء في صلاته عند أصحاب السنن: "... ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله وأذن له فيه، ثم يكبر ويركع، ثم يقول: الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله"

وكذلك الحال في جميع واجبات الصلاة؛ فصح عنه في حديث المسيء صلاته أنه كان يكبر ويهوي ساجدًا، يستوي قائما ثم يقول: الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، كان إذا أراد أن يسجد كبر، ويجافي يديه عن جنبيه، ثم يسجد، كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبر، ويهوي ساجداً.

وعن أبي حميد الساعدي "أنه قال وهو في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدهم أبو قتادة: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: ما كنت أقدم له صحبة، ولا أكثرنًا له إتيانًا، قال: بلى، قالوا: فاعرض، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر وركع، ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه، ثم قال سمع الله لمن حمده، ورفع يديه واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم هوى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد عليها، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم نهض، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته، أخر رجله اليسرى، وقعد على شقه متوركًا ثم سلم، قالوا: صدقت، هكذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"؛ رواه أصحاب السنن إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه البخاري مختصرًا.

ذهب أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء إلى أن من السنة أن يبتدئ الركوع بالتكبير للأحاديث النبوية الواردة في ذلك منها

المغني لابن قدامة (1/ 357-357): "وأكثر أهل العلم يرون أن يبتدئ الركوع بالتكبير، وأن يكبر في كل خفض ورفع، منهم: ابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وأبو هريرة، وقيس بن عباد، ومالك، والأوزاعي، وابن جابر، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وعوام العلماء من الأمصار... ولنا، ما روى أبو هريرة، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول، وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس"، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا"؛ متفق عليهما". اهـ. مختصرًا.

أما إن أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم، وهو مذهب جمهور الفقهاء المتبعين  كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه.

جاء في "المحلى"(4/214-215) لأبي محمد بن حزم : "ومن صلى جنباً أو على غير وضوء - عمداً أو نسياناً - فصلاة من ائتم به صحيحة تامة، إلا أن يكون علم ذلك يقيناً فلا صلاة له؛ لأنه ليس مصلياً، فإذا لم يكن مصلياً، فالمؤتم بمن لا يصلي عابثٌ عاصٍ مخالفٌ لما أُمر به، ومن هذه صفته في صلاته فلا صلاة له ... وقال الشافعي، وأبو سليمان، كما قلنا؛ برهان صحة قولنا -: قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وليس في وسعنا علم الغيب من طهارته؟ وكل إمام يصلى وراءه في العالم: ففي الممكن أن يكون على غير طهارة عامداً أو ناسياً، فصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم؟ وكل أحد يصلي لنفسه، ولا يبطل صلاة المأموم - إن صحت - بطلان صلاة الإمام، ولا يصح صلاة المأموم - إن بطلت - صحة صلاة الإمام ... عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)). قال علي: "وعمدتنا في هذا هو ما حدثناه... عن أبي بكرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل في صلاة الفجر فكبر فأومأ إليهم: أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال: ((إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جنبًا))؛ فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو - صلى الله عليه وسلم - جنب، وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه، أن عمر بن الخطاب صلى بالناس وهو جنب فأعاد، ولم يبلغنا أن الناس أعادوا؟ وعن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر، أن أباه صلى بالناس صلاة العصر وهو على غير وضوء، فأعاد ولم يعد أصحابه؟ وعن إبراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن جبير، فيمن أم قوما وهو على غير طهارة؟ أنه يعيد ولا يعيدون، ولم يفرقوا بين ناس وعامد".

أما الصلاة خلف من يلحن في القراءة، فإن كان لا يغير المعنى فإنه لا يضر وتصح الصلاة معه بإجماع الفقهاء.

وذهب الحنفية إلى أن ضابط اللحن الذي غير المعنى هو كل ما إن تعمده كفر، فإذا قرأه خطأ فسدت صلاته. وذهب المالكية في المعتمد عندهم إلى أن اللحن ولو غير المعنى لا يبطل الصلاة، وسواء ذلك في الفاتحة أو غيرها. وذهب الشافعية إلى أن اللحن إذا كان يغير المعنى فإنه لا يضر في غير الفاتحة، فإن قدر وأمكنه التعلم لم تصح صلاته، وإلا فصلاته صحيحة.

وصحح الحنابلة صلاة من يلحن ويحيل المعنى وعجز عن إصلاحه، فإن كان له القدرة على إصلاحه لم تصح صلاته؛ لأنه أخرجه عن كونه قرآنًا، ومعلوم أن ترك التشديد في بعض حروف الفاتحة لا يحيل المعنى، فالصلاة صحيحة على قول جمهور الفقهاء.

هذا؛ وقد حرر هذه المسألة الكبيرة شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "أن اللحن في الفاتحة الذي لا يحيل المعنى تصح صلاة صاحبه، إمامًا، أو منفردًا، واللحن الذي يحيل المعنى: إن أحاله إلى ما هو من جنس معنى من معاني القرآن خطأً، فهذا لا يبطل صلاته؛ كما لو غلط في القرآن في موضع الاشتباه فخلط سورة بغيرها، وأما إن أحاله إلى ما يخالف معنى القرآن كقوله: (أنعمتُ) بالضم فهذا بمنزلة كلام الآدميين، وهو في مثل هذه الحال كلام محرم في الصلاة، لكنه لو تكلم به في الصلاة جاهلاً بتحريمه ففي بطلان صلاته نزاع في مذهب أحمد وغيره كالناسي، الصحيح أنه لا يبطل صلاته.

والجاهل بمعنى (أنعمتَ) عذره أقوى من عذر الناسي والجاهل، فإنه يعلم أنه كلام الآدميين لكن لا يعلم أنه محظور.

وعلى هذا فلو كان مثل هذا اللحن في نفل القراءة لم تبطل، وأما إذا كان في الفاتحة التي هي فرض فيقال: هب أنها لا تبطل من جهة كونه متكلمًا، لكنه لم يأت بفرض القراءة، فيكون قد ترك ركنًا في الصلاة جاهلاً، ولو تركه ناسيًا لم تصح صلاته، فكذلك إن تركه جاهلاً، لكن هذا لم يترك أصل الركن وإنما ترك صفةً فيه وأتى بغيرها، ظانًا أنها هي، فهو بمنزلة من سجد إلى غير القبلة.

ولو ترك بعض الفروض غير عالم بفرضه، ففي هذا الأصل قولان، في مذهب أحمد وغيره.

وأصل ذلك خطاب الشارع: هل يثبت قبل البلوغ والعلم به، أم لا؟ على ثلاثة أقوال: أصحها أنه يعذر فلا تجب الإعادة على هذا الجاهل.

قال: والذي يحيل المعنى مثل (أنعمتُ)، و (إياكُِ) بالضم والكسر، والذي لا يحيله مثل فك الإدغام في موضعه، أو قطع همز الوصل، ومثل (ألرحمن ألرحيم)". اهـ. من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (3/ 118).

إذا تقرر هذا، علم أن الشارع الحكيم جعل خطأ الإمام في صلاته على نفسه دون المأمومين، وأن تكبيرات الانتقال يباح أن تقال قبل الانتقال للركن أو بعده أو حال الانتقال، وأن الكل سنة،، والله أعلم.