حكم من سجد لقبر النبي لا بقصد العبادة
خالد عبد المنعم الرفاعي
يوجد داعية معروف بل كلامه متوافق مع كلام أهل السنة ولكن نشر اليوم منشور عن الإمام الذهبي منها يحرم السجود لقبر النبي ويعتبرها كبيرة فالناس اعترضت على الداعية فقال سجود احترام وتعظيم وليس عبادة الشرك هو سجود العبادة حقيقة الأمر قرأت في هذا الموضوع احتجاجا بسجود ابوي سيدنا يوسف له فهو سجود تكريم وليس عبادة وحرم في شريعتنا فاعتبر معصية كبيرة لانه لا يُجوز الشرك فاي شريعة كانت ولكن السؤال اذا كان هذا صحيح فهذا السجود لحي مثل فعل الصحابي للنبي عليه الصلاة والسلام وانكر عليه ولم يكفره بخلاف القبر؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد دلّ القرآن العظيم أن سجود التحية كان معروفًا ومباحاً في الشرائع السابقة إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى نُسخ في الشريعة الإسلامية الخاتمة؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين} [البقرة: 34]، وقال سبحانه وتعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } [يوسف: 100]
وقال ابن كثير في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ}، فكانت الطاعة لله، والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته. وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام؛ كما قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً}، وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا". ا. هـ.
ومما يبين أن السجود للبشر على وجه التحية والإكرام كان جائزاً في الشرائع السابقة غير، ما رواه أحمد وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قدم معاذ اليمن، أو قال: الشام، فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروى في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم، فلما قدم، قال: يا رسول الله، رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروأت في نفسي أنك أحق أن تعظم، فقال: " لو كنت آمر أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله، حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه".
جاء في فتح القدير للشوكاني (1/ 78): "فإن السجود للبشر قد يكون جائزا في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح؛ وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم، وكذلك الآية الأخرى، أعني قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29]، وقال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}، فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه أن يكون كذلك في سائر الشرائع. ومعنى السجود هنا: هو وضع الجبهة على الأرض، وإليه ذهب الجمهور". اهـ.
إذا تقرر هذا علم أن كلام بعض أهل العلم في عدم تكفير من سجد للقبر سببه قيام الشبهة أن من فعل هذا قد تأول القرآن على غير وجهه، وهو سبب لعذره بالجهالة حتى تقام عليه الحجة الرسالية ويعلم أن سجود التحية قد نسخ في شريعتنا، وأن صرف شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل شرك بإجماع أهل العلم، كما حكاه غير واحد من أهل العلم كالقاضي عياض المالكي في كتاب: "الشفاء"، والحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 74/ 75): "وأصناف العبادات: الصلاة بأجزائها مجتمعة، وكذلك أجزاؤها التي هي عبادة بنفسها من السجود والركوع والتسبيح والدعاء والقراءة والقيام= لا يصلح إلا لله وحده. ولا يجوز أن يتنفل على طريق العبادة إلا لله وحده، لا لشمس ولا لقمر، ولا لملك ولا لنبي ولا صالح ولا لقبر نبي ولا صالح؛ هذا في جميع ملل الأنبياء، وقد ذكر ذلك في شريعتنا حتى نهي أن يتنفل على وجه التحية والإكرام للمخلوقات؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا أن يسجد له. وقال: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها"، ونهى عن الانحناء في التحية ونهاهم أن يقوموا خلفه في الصلاة وهو قاعد". اهـ.
فظهر من هذا النقل النفيس لشيخ الإسلام التفريق بين سجود العبادة الذي لم يبحه الله في شريعة قط، وبين سجود التحية الذي حرّم في شريعتنا، فالسجود للقبر إن كان من باب التحية فهو بلا شك محرام في شريعتنا، وكبيرة من كبائر الذنوب، وليس شركًا،، والله أعلم.