حكم طلب العلم في معهد تابع لحزب النور

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا شيخ لقد أشتركت في معهد لتدريس العلوم الشرعية و تبين لي بعد ذلك أن مكان هذا المعهد هو مقر حزب النور و أن محاضرين المعهد من المشايخ المنتميين لحزب النور طبعا نطلب النصيحة من حضرتك يا شيخ هل أستمر في هذا المعهد أم أتركه و أتابع علي الانترنت علما يا شيخ بأن بعض الشباب معنا في المعهد لديهم شئ من العصبية لدي الحزب و المشايخ و أنا أخاف مع كثرة الاختلاط مع هؤلاء الشباب طيلت الاربع سنوات أنا يصيبني شئ من هذا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن الأصل أن يُطلبَ العلم من العلماء الربَّانيين العاملين، أهلِ التقوى والصلاحِ والعملِ والأخلاقِ، ولا يأخذ من أهل البدع والمعاصي إلا إذا لم يجد غيرهم؛ فهنا يجوز له أن يتعلم منهم، ولكن مع الحذر من بدعهم.

وقد حذَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أخذ العلم عن أهل البدع والأصاغر، وعدَّ ذلك من أشراط الساعة؛ حيث قال: ((إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُلتمسَ العِلم عند الأصاغر))؛ رواه الطبراني في "الكبير" وابن المبارك في "الزهد" وابن مَنْدَهْ في "المعرفة" عن أبي أمية الجُمَحِيِّ، وصحَّحه الألبانِيُّ في الصحيحة. قال عبد الله بن المبارك: "الأصاغر أهل البدع".

 وروى الطَّبَرَاني، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن مسعود قال: "لن يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قِبَلِ أكابرهم، وذوي أسلافهم، فإذا أتاهم من قِبَلِ أصاغرهم هلكوا".

وقال عمر بن الخطاب - رضي اللهُ عنه -: "إنَّ النَّاسَ بِخَير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، ولم يَقُمِ الصغيرُ على الكبير، فإذا قام الصغير على الكبير فَقَدْ - أي: فقد هلكوا -" رواه اللالَكَائِيُّ في "السنة".

وروى مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين قال: "إنَّ هذا العلمَ دِينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم".

وقال بَهْزُ بن حكيم: "دين الله أحقُّ ما طُلِبَ له العُدول".

وقال الشافعي - رحمهُ اللهُ -: "إنما يَتَكَلَّمُ في هذا الدين مَنْ كان مأمونًا على عُقْدَة هذا الدين".

وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله - ينتقون المشايخ الذين يأخذون عنهم العلم ويحذرون من أهل البدع والأهواء، وربما تجنَّبوا بعضَ العلماء الصالحين الذين عندهم بعضُ التغفُّل؛ فقد روى ابن عبد البر في "التمهيد" والذهبي في "السير" أنَّ الإمامَ مالكًا - رحمه الله تعالى - كان يقول: "إن هذا العلم دينٌ، فانظروا عمن تأخذونه ... ولقد أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - سبعينَ ممَّن يقول: قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ أحدَهم لوِ اؤتُمِنَ على بيتِ مالٍ لكانَ به أمينًا، فما أخذت منهم شيئًا؛ لأنهم لم يكونوا من أهل هذه الشأن، فلما قدِم علينا محمد بن شهاب الزهري، ازدحمنا على بابه، وكان شابًّا" انتهى.

وقال الخطيب البغدادي: "ينبغي للمتعلِّم أن يقصد مِن الفقهاء مَن اشتهر بالديانة، وعُرِفَ بالستر والصيانة"

وفي سنن الدارمي عن أسماء بن عبيد قال: "دخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا: يا أبا بكر: نُحَدِّثُكَ بحديث؟ قال: لا، قالا: فنقرأ عليكَ آيةً من كتاب الله؟ قال: لا، لَتَقُومانِّ عَنِّي أو لأقومَنَّ، قال: فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر: وما كان عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى؟! قال: إني خشيت أن يقرآ علي آية فيُحَرِّفانِها فيقرَّ ذلك في قلبك".

قال العلامة الدكتور بكر أبو زيد تحت عنوان – التلقي عن المبتدع -: "احذر أبا الجهل المبتدع، الذي مسَّه زيغُ العقيدة، وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الخرافة، يُحَكّم الهوى ويسمِّيه العقلَ، ويعدل عن النص، وهل العقل إلا في النص؟! ويستمسك بالضعيف ويبعد عن الصحيح، ويقال لهم أيضًا: أهل الشبهات، وأهل الأهواء".

 وقال: "فيا أيها الطالب! إذا كنت في السعة والاختيار؛ فلا تأخذ عن مبتدعٍ: رافضيٍّ، أو خارجيٍّ، أو مرجئ، أو قَدَرِيٍّ، أو قُبُورِيٍّ، وهكذا، فإنك لن تبلغ مبلغ الرجال - صحيحَ العَقْدِ في الدين، مَتِينَ الاتصالِ بالله، صحيحَ النظر، تقفو الأثر - إلا بهجر المبتدعة وبدعهم.

وكُتُبُ السِّيَرِ والاعتصام بالسنة حافلة بإجهاز أهل السنة على البدعة، ومنابذة المبتدعة، والابتعاد عنهم، كما يبتعد السليم عن الأجرب المريض، ولهم قصص وواقعيات يطول شرحها، لكن يطيب لي الإشارة إلى رؤوس المقيَّدات فيها:

فقد كان السلف - رحمهم الله تعالى - يحتسبون الاستخفاف بهم، وتحقيرهم ورفض المبتدع وبدعته، ويحذرون من مخالطتهم، ومشاورتهم، ومؤاكلتهم، فلا تَتَرَاءَى نارُ سُنِّيٍّ ومبتدِعٍ.

وأخبار السلف متكاثرة في النفرة من المبتدعة وهجرهم؛ حَذَرًا من شرهم، ومنْعًا منَ انتشار بدعهم، وكسْرًا لنفوسهم حتى تضعف عن نشر البدع، ولأن في معاشَرة السني للمبتدع تزكيةً له لدى المبتدئ والعاميِّ، والعاميُّ بيد من يقوده غالبًا.

 قال: أما الأخذ عن علماء السنة، فالعقِ العسل ولا تسل. وفقك الله لرشدك لتنهل من ميراث النبوة صافيًا، وإلا ؛ فليبك على الدين من كان باكياً". اهـ. مختصرا من "حلية طالب العلم". اهـ.، ولمزيد فائدة يراجع شرح العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرحه عليها.

إذا تقرر هذا، فلا يجوز أخذ العلم عن مثل هؤلاء، فهم أنقص في العلم والحكمة من أن يؤخذ علنهم العلم، لا سيما العلم بالله؛ فإن الأخذ عن الأصاغر هَلَكَةٌ في الدين؛ والمسلم لا يأمن على قلبه من الفساد من جراء الخلطة بهؤلاء؛ والسلامة في الدين لا يعدلها شيء، ووسائل العلم في زماننا أصبحت يسيرة، والانترنت طافح بالشروح الصوتية لأهل العلم لأكابر علماء العصر في شتى العلوم.

هذا؛ ولتعلم أن إحراز السلامة فى الدين من الافتنان وكيد الشيطان من أعظم المطالب وأهم المقاصد الشرعية؛ ولذلك صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن متنوعة طلب العافية؛ كما في صحيح البخاري: "سلوا الله العافية"، وفي دعاء زيارة القبور قال: "أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعاف". وقال: "لم تؤتوا شيئًا بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فاسألوا الله العافية" رواهما أحمد .

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم حين يصبح وحين يمسي: " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي"، الحديث.

والعافية: السلامة في الدين والدنيا؛ فالفتنة في الدين هي أخطر الفتن وأصعبها، عياذًا باللَّه. وبمجانبة الظلمة والمبتدعة والضلال ونحوهم، يحرز الدين وتحصل السلامة؛ لأن صحبة هؤلاء تطفئ نور الإيمان، وبمجانبتهم تحصل النجاة من عقوبة الله تعالى؛ كما قال سبحانه وتعالى:  {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]،، والله أعلم.