كيف يصلي المبتعث للدراسة بالخارج؟
محمد بن صالح العثيمين
- التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: نحن طلبة مبتعثون للدراسة في الخارج، هل تنطبق علينا أحكام السفر مثل
القصر وعدم وجوب صلاة الجمعة والجماعة ونحو ذلك؟
الإجابة: إذا أقام المسافر في مكان لحاجة ينتظرها ومتى انتهت رجع إلى بلده فله
حالان:
الحال الأولى: أن لا يحدد مدة إقامته بزمن معين فله الترخص برخص السفر من القصر، والجمع، والفطر برمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام، وإن طالت مدة إقامته، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" في كلام على فقه غزوة تبوك: "والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول: اليوم أخرج، وغداً أخرج، فإنه يقصر أبداً إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ولا يقصر بعدها". وقال قبل ذلك: "وقد قال أصحاب أحمد إنه لو أقام لجهاد عدو أو حبس سلطان أو مرض، قصر سواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، وهذا هو الصواب، ولكنهم شرطوا فيه شرطاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة، فقالوا: شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر، وهي ما دون الأربعة أيام، فيقال: من أين لكم بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئاً، ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته، فلم يقل لهم حرفاً واحداً لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال، و بيان هذا من أهم المهمات، وكذلك اقتدى الصحابة به بعده، ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئاً من ذلك".انتهى كلامه رحمه الله .
الحال الثانية: أن يحدد مدة معينة في إقامته للحاجة التي ينتظرها كحال القادمين إلى مكة للحج أو العمرة أو لبلد يشترون منه تجارة أو يبيعونها ثم يرجعون إلى أوطانهم، أو للدراسة متى انتهت عادوا إلى أوطانهم، ونحو ذلك فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في حكم هذا هل يترخص برخص السفر سواء طالت مدة إقامته أم قصرت، أو لا يترخص إلا في مدة محدودة، وذكر النووي في ذلك أكثر من عشرة أقوال، وهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "تقديرات متقابلة". والراجح عندي أنه يترخص برخص السفر، لأنه مسافر حقيقة ما لم ينو استيطاناً أو إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن ولا حاجة للأدلة التي ستراها إن شاء الله تعالى بصحبة هذا الجواب.
لكنه لا يسقط عنه وجوب الجماعة لا وجوب الجمعة إذا أقيمت بل يجب عليه حضور الجماعة و الجمعة، ولا يحل له التخلف عنهما إلا بعذر شرعي يبيح التخلف للمستوطن. فإن أدلة وجوب الجماعة عامة في السفر وغيره وأدلة وجوب الجمعة على من كان في مكان تقام فيه الجمعة عامة لم يستثن منها المسافر. أما أدلة وجوب الجماعة فمنها قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا} -أي أتموا صلاتهم- {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: من الآية102]، فأوجب الله الصلاة جماعة في حال مواجهة العدو، ومن المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقاتل أعداءه وهو مسافر خارج المدينة فتبين بذلك أن السفر لا يسقط وجوب الجماعة حتى في حال القتال، ومواجهة الأعداء، ففي حال الأمن والاستقرار من باب أولى، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر سار ليلةً حتى إذا أدركه الكرى عرس -أي نزل للنوم والراحة- فذكر القصة، وفيها أنهم لم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، فأمرهم أن يقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر، ثم توضأ النبي صلي الله عليه وسلم وصلى بهم الصبح، فأنت ترى أنه لم يترك الجماعة بهم حتى في هذه الحال.
وأما أدلة وجوب الجمعة فمنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]، فوجه الله تعالى الأمر بالسعي إلى الجمعة إلى المؤمنين عموماً، ولم يستثن أحداً، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: " "، وإذا كانت الجماعة واجبة على المسافر مع كونها أقل جمعاً من الجمعة عليه من باب أولى، لأنها لا تكون في الأسبوع إلا مرة، ولأنها أكثر جمعاً ولما يحصل من الفائدة في خطبتيها.
وقد نص فقهاؤنا رحمهم الله تعالى على وجوب صلاة الجماعة على المسافرين، فقال في الروض المربع -وهو من أخصر كتب الفقه- قال: قول الماتن: "تلزم الرجال ولو كانوا سفراً في شدة خوف). وهكذا في الإقناع والمنتهى والفروع وغيرها، نصوا أيضاً على وجوب صلاة على المبتعثين ونحوهم ممن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
وعلى هذا فلا يحل لأحد من المبتعثين للدراسة أن يدع الجمعة و الجماعة بحجة أنه مسافر، لأن عمومات الأدلة على وجوب الجماعة والجمعة إذا أقيمت تشلهم ولا دليل على التخصيص.
ومن ظن أن قولنا بجواز الترخص برخص السفر لهؤلاء المبتعثين يقتضي سقوط الجماعة والجمعة عنهم ويبيح لهم الصلاة في بيوتهم فقد أخطأ في ظنه، فنحن نقول بوجوب الجماعة عليهم، ووجوب الجمعة إذا أقيمت في البلد الذي هم فيه، ولا يحل لهم التخلف عنهما إلا بعذر يبيح التخلف للمستوطنين. والله الموفق، والحمد لله رب العلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الخامس عشر.
الحال الأولى: أن لا يحدد مدة إقامته بزمن معين فله الترخص برخص السفر من القصر، والجمع، والفطر برمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام، وإن طالت مدة إقامته، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" في كلام على فقه غزوة تبوك: "والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول: اليوم أخرج، وغداً أخرج، فإنه يقصر أبداً إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ولا يقصر بعدها". وقال قبل ذلك: "وقد قال أصحاب أحمد إنه لو أقام لجهاد عدو أو حبس سلطان أو مرض، قصر سواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، وهذا هو الصواب، ولكنهم شرطوا فيه شرطاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة، فقالوا: شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر، وهي ما دون الأربعة أيام، فيقال: من أين لكم بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئاً، ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته، فلم يقل لهم حرفاً واحداً لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال، و بيان هذا من أهم المهمات، وكذلك اقتدى الصحابة به بعده، ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئاً من ذلك".انتهى كلامه رحمه الله .
الحال الثانية: أن يحدد مدة معينة في إقامته للحاجة التي ينتظرها كحال القادمين إلى مكة للحج أو العمرة أو لبلد يشترون منه تجارة أو يبيعونها ثم يرجعون إلى أوطانهم، أو للدراسة متى انتهت عادوا إلى أوطانهم، ونحو ذلك فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في حكم هذا هل يترخص برخص السفر سواء طالت مدة إقامته أم قصرت، أو لا يترخص إلا في مدة محدودة، وذكر النووي في ذلك أكثر من عشرة أقوال، وهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "تقديرات متقابلة". والراجح عندي أنه يترخص برخص السفر، لأنه مسافر حقيقة ما لم ينو استيطاناً أو إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن ولا حاجة للأدلة التي ستراها إن شاء الله تعالى بصحبة هذا الجواب.
لكنه لا يسقط عنه وجوب الجماعة لا وجوب الجمعة إذا أقيمت بل يجب عليه حضور الجماعة و الجمعة، ولا يحل له التخلف عنهما إلا بعذر شرعي يبيح التخلف للمستوطن. فإن أدلة وجوب الجماعة عامة في السفر وغيره وأدلة وجوب الجمعة على من كان في مكان تقام فيه الجمعة عامة لم يستثن منها المسافر. أما أدلة وجوب الجماعة فمنها قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا} -أي أتموا صلاتهم- {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: من الآية102]، فأوجب الله الصلاة جماعة في حال مواجهة العدو، ومن المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقاتل أعداءه وهو مسافر خارج المدينة فتبين بذلك أن السفر لا يسقط وجوب الجماعة حتى في حال القتال، ومواجهة الأعداء، ففي حال الأمن والاستقرار من باب أولى، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر سار ليلةً حتى إذا أدركه الكرى عرس -أي نزل للنوم والراحة- فذكر القصة، وفيها أنهم لم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، فأمرهم أن يقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر، ثم توضأ النبي صلي الله عليه وسلم وصلى بهم الصبح، فأنت ترى أنه لم يترك الجماعة بهم حتى في هذه الحال.
وأما أدلة وجوب الجمعة فمنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]، فوجه الله تعالى الأمر بالسعي إلى الجمعة إلى المؤمنين عموماً، ولم يستثن أحداً، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: " "، وإذا كانت الجماعة واجبة على المسافر مع كونها أقل جمعاً من الجمعة عليه من باب أولى، لأنها لا تكون في الأسبوع إلا مرة، ولأنها أكثر جمعاً ولما يحصل من الفائدة في خطبتيها.
وقد نص فقهاؤنا رحمهم الله تعالى على وجوب صلاة الجماعة على المسافرين، فقال في الروض المربع -وهو من أخصر كتب الفقه- قال: قول الماتن: "تلزم الرجال ولو كانوا سفراً في شدة خوف). وهكذا في الإقناع والمنتهى والفروع وغيرها، نصوا أيضاً على وجوب صلاة على المبتعثين ونحوهم ممن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
وعلى هذا فلا يحل لأحد من المبتعثين للدراسة أن يدع الجمعة و الجماعة بحجة أنه مسافر، لأن عمومات الأدلة على وجوب الجماعة والجمعة إذا أقيمت تشلهم ولا دليل على التخصيص.
ومن ظن أن قولنا بجواز الترخص برخص السفر لهؤلاء المبتعثين يقتضي سقوط الجماعة والجمعة عنهم ويبيح لهم الصلاة في بيوتهم فقد أخطأ في ظنه، فنحن نقول بوجوب الجماعة عليهم، ووجوب الجمعة إذا أقيمت في البلد الذي هم فيه، ولا يحل لهم التخلف عنهما إلا بعذر يبيح التخلف للمستوطنين. والله الموفق، والحمد لله رب العلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الخامس عشر.