هل النهي عن آنية الذهب ولافضة عامّ أم هو خاص بالأكل فيه
محمد بن صالح العثيمين
- التصنيفات: فقه الأطعمة والأشربة -
السؤال: قلتم يا فضيلة الشيخ: "إن النهي عن استخدام آنية الذهب والفضة خاصٌ
بالأكل والشرب ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم النهي العام لقال:
لا تستعملوها" وهذا غير مُسلَّم، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر العلة
وهي قوله: " ". ويلزم من قولكم ألا يكون لتعليل النبي صلى الله عليه
وسلم فائدة، وإذا كانت العلة منصوصة وهي عدم الاستمتاع بذلك في الدنيا
كفعل الكفار صار ذكر الأكل والشرب لا يمنع قياس غيرهما عليهما، وأيضا
قولكم: "هلا قال: لا تستعملوها" يستلزم إبطال القياس وهو مجمع عليه
إذا ظهرت العلة ولم يصادم نصَّا.
وحديث أم سلمة الوارد في الفتوى لا يعارض الحديث لأنه موقوف عليها. وقال الشنقيطي رحمة الله تعالى في أضواء البيان ج3 ص 224: "فإن قيل الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة... فالجواب: أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب" أ.هـ. وكلام الشوكاني في هذا غير مقنع، فنرجوا من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك والله يحفظكم ويرعاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وحديث أم سلمة الوارد في الفتوى لا يعارض الحديث لأنه موقوف عليها. وقال الشنقيطي رحمة الله تعالى في أضواء البيان ج3 ص 224: "فإن قيل الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة... فالجواب: أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب" أ.هـ. وكلام الشوكاني في هذا غير مقنع، فنرجوا من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك والله يحفظكم ويرعاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد: فقد
فهمت ما كتبت بارك الله فيك، والعلة التي علل بها النبي صلى الله عليه
وسلم النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة لا يقصد بها إحلال ذلك
للكفار ولكن يقصد بها والله أعلم أنكم أيها المؤمنون إن مُنعتم عنها
في الدنيا لم تُمنعوا عنها في الآخرة، فيكون كالتسلية للمؤمنين.
وأما قولكم عن قولنا: "لقال: لا تستعملوها" غير مُسلَّم، فلا يلزم من كونه غير مسلم لديكم أن يكون غير مقبول عند غيركم لأن الحق غير محجور على عقل أحدٍ من الناس أو تسليمه إلا من وجب اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما قولكم: "إنه يلزم من قولنا ألا يكون لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم فائدة" فإن الفائدة منه ما أشرنا إليه من قبل وهي حاصلة حتى على قولنا بما دل عليه الحديث من تخصيص النهي بالأكل والشرب.
وأما قولكم: "إذا كانت العلة منصوصة" إلخ. فإن من المعلوم أننا لو أخذنا بما فهمتم من عموم العلة لكنا نحرم كل ما يستمتع به الكفار وهذا لا يقوله أحد، وإنما المقياس في ذلك ما دلت عليه النصوص فإذا كان الشيء الذي يستمعون به لا يحرم علينا كان حلالاً، قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، فإذا كانوا يطبخون اللحم المباح لنا على الصفة التي يتمتعون بها كان اللحم حلالاً لنا، أما إذا كان ما يتمتعون به حراماً علينا الخنزير عنها فإنا لا نقصد به معارضة الحديث، لأن الحديث وارد في شيء غير ما فعلته أم سلمة، فالحديث في الأكل والشرب وفعل أم سلمة في غيرهما لكن فعلها كالتفسير للحديث، لأنها قد روت الوعيد على من شرب في إناء الفضة واتخذت الجلجل منها كما في صحيح البخاري، والصحابي أقرب منا إلى فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها يدل على أنها فهمت أن التحريم بل الوعيد خاص في الشرب وما فهمته رضي الله عنها هو الصواب عندنا ويدل لذلك أنه لو كان استعمال إناء الذهب والفضة محرماً على كل حال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسره لأنه لا يجوز إقراره المنكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقض ما فيه الصليب أو يقضبه.
وأما إحالتكم على ص 224جـ 3 من أضواء البيان فإننا لم نجده في هذه الصفحة وإنما وجدناه في ص 238 منه، وأطال الكلام فيه إلى ص 250 وليس فيما قال حرفٌ واحدٌ يدل على تحريم استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، والذي ذكره تحريم الشراب في آنية الذهب والفضة مطلقاً، وجواز لبس الذهب والحرير للنساء ومنعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الأدلة في ذلك وقال في ص 241: "فتحصَّلَ أنه لا شك في تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء"، ثم ذكر إباحة لبس الرجال لخواتم الفضة، وقال: "أما لبس الرجال لغير الخاتم من الفضة ففيه خلاف بين العلماء"، ثم ذكر نقولاً عن كتب المذاهب من جملتها ما نقله عن مذهب مالك في مختصر خليل: "وحرم استعمال ذكر محلى ولو منطقة وآله حرب إلا لسيف والأنف وربط سن مطلقاً وخاتم فضة لا ما بعضه ذهب ولو قل وإناء نقد واقتناؤه وإن لامرأة".إلخ. فذكر صاحب المختصر إناء النقد واقتناؤه ولكن الشيخ الشنقيطي لم يسقه لبيان هذا بل لبيان ليس الرجل لغير الخاتم من الفضة ولهذا قال في ص 242: "فقد ظهر من هذه النقول أن الأئمة الأربعة في الجملة متفقون على منع استعمال المحلى بالذهب أو الفضة من ثوب أو آلة أو غير ذلك في أشياء استثنوها على اختلاف بينهم في بعضها". لا يقال إن قوله أو غير ذلك يشمل الأواني لأن سياق كلامه في غيرها ولأنه عقد لحم الأواني كلاماً في أول هذه المسألة فكلامه الأخير في اللباس وما يتصل به، وأما قوله رحمه الله ص 245: قال مقيده عفا الله عنه إلى ص 250 ففيه ما يحتاج إلى تحرير كما يَظهر للمتأمل.
وغرضنا من سياق ما ذكرناه من كلام الشيخ الشنقيطي تحقيق ما طلبتم من مراجعته وقد تبين لنا أنه ليس فيه تصريح بمنع استمعال الأواني في غير الأكل والشرب، على أنه لو صرَّح به فليس قوله حجة على غيره، كما أن قول الشوكاني الذي ذكرتم أنه لم يخف عليكم وأنكم لم تقتنعوا به ليس حجة عليكم كما أنه ليس حجة لنا والله المستعان.
ولقد أعجبني قولكم إنكم لم تقتنعوا به لأن هذا هو الواجب عليكم إذا اطلعتم على قولٍ مخالف للأدلة في نظركم لأن لا تقتنعوا به, وأن تلتمسوا العذر لقائله إذا كانت حالة تُحتمل العذر، والمرء مكلف بما يستطيع علماً وعملاً ولا يجوز له العدول عما أداه إليه اجتهاده إذا كان قد بذل جهده، وعليه أن يعذر غيره فيما اجتهد فيه إذا لم يعلم منه سوء القصد كما أن على غيره أن يعذره إذا علم منه حسن القصد ولم يعلم منه سوء المراد.
وأسأل الله تعالى أن يتولى الجميع بعنايته ويلهمنا الرشد والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر - باب الآنية.
وأما قولكم عن قولنا: "لقال: لا تستعملوها" غير مُسلَّم، فلا يلزم من كونه غير مسلم لديكم أن يكون غير مقبول عند غيركم لأن الحق غير محجور على عقل أحدٍ من الناس أو تسليمه إلا من وجب اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما قولكم: "إنه يلزم من قولنا ألا يكون لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم فائدة" فإن الفائدة منه ما أشرنا إليه من قبل وهي حاصلة حتى على قولنا بما دل عليه الحديث من تخصيص النهي بالأكل والشرب.
وأما قولكم: "إذا كانت العلة منصوصة" إلخ. فإن من المعلوم أننا لو أخذنا بما فهمتم من عموم العلة لكنا نحرم كل ما يستمتع به الكفار وهذا لا يقوله أحد، وإنما المقياس في ذلك ما دلت عليه النصوص فإذا كان الشيء الذي يستمعون به لا يحرم علينا كان حلالاً، قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، فإذا كانوا يطبخون اللحم المباح لنا على الصفة التي يتمتعون بها كان اللحم حلالاً لنا، أما إذا كان ما يتمتعون به حراماً علينا الخنزير عنها فإنا لا نقصد به معارضة الحديث، لأن الحديث وارد في شيء غير ما فعلته أم سلمة، فالحديث في الأكل والشرب وفعل أم سلمة في غيرهما لكن فعلها كالتفسير للحديث، لأنها قد روت الوعيد على من شرب في إناء الفضة واتخذت الجلجل منها كما في صحيح البخاري، والصحابي أقرب منا إلى فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها يدل على أنها فهمت أن التحريم بل الوعيد خاص في الشرب وما فهمته رضي الله عنها هو الصواب عندنا ويدل لذلك أنه لو كان استعمال إناء الذهب والفضة محرماً على كل حال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسره لأنه لا يجوز إقراره المنكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقض ما فيه الصليب أو يقضبه.
وأما إحالتكم على ص 224جـ 3 من أضواء البيان فإننا لم نجده في هذه الصفحة وإنما وجدناه في ص 238 منه، وأطال الكلام فيه إلى ص 250 وليس فيما قال حرفٌ واحدٌ يدل على تحريم استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، والذي ذكره تحريم الشراب في آنية الذهب والفضة مطلقاً، وجواز لبس الذهب والحرير للنساء ومنعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الأدلة في ذلك وقال في ص 241: "فتحصَّلَ أنه لا شك في تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء"، ثم ذكر إباحة لبس الرجال لخواتم الفضة، وقال: "أما لبس الرجال لغير الخاتم من الفضة ففيه خلاف بين العلماء"، ثم ذكر نقولاً عن كتب المذاهب من جملتها ما نقله عن مذهب مالك في مختصر خليل: "وحرم استعمال ذكر محلى ولو منطقة وآله حرب إلا لسيف والأنف وربط سن مطلقاً وخاتم فضة لا ما بعضه ذهب ولو قل وإناء نقد واقتناؤه وإن لامرأة".إلخ. فذكر صاحب المختصر إناء النقد واقتناؤه ولكن الشيخ الشنقيطي لم يسقه لبيان هذا بل لبيان ليس الرجل لغير الخاتم من الفضة ولهذا قال في ص 242: "فقد ظهر من هذه النقول أن الأئمة الأربعة في الجملة متفقون على منع استعمال المحلى بالذهب أو الفضة من ثوب أو آلة أو غير ذلك في أشياء استثنوها على اختلاف بينهم في بعضها". لا يقال إن قوله أو غير ذلك يشمل الأواني لأن سياق كلامه في غيرها ولأنه عقد لحم الأواني كلاماً في أول هذه المسألة فكلامه الأخير في اللباس وما يتصل به، وأما قوله رحمه الله ص 245: قال مقيده عفا الله عنه إلى ص 250 ففيه ما يحتاج إلى تحرير كما يَظهر للمتأمل.
وغرضنا من سياق ما ذكرناه من كلام الشيخ الشنقيطي تحقيق ما طلبتم من مراجعته وقد تبين لنا أنه ليس فيه تصريح بمنع استمعال الأواني في غير الأكل والشرب، على أنه لو صرَّح به فليس قوله حجة على غيره، كما أن قول الشوكاني الذي ذكرتم أنه لم يخف عليكم وأنكم لم تقتنعوا به ليس حجة عليكم كما أنه ليس حجة لنا والله المستعان.
ولقد أعجبني قولكم إنكم لم تقتنعوا به لأن هذا هو الواجب عليكم إذا اطلعتم على قولٍ مخالف للأدلة في نظركم لأن لا تقتنعوا به, وأن تلتمسوا العذر لقائله إذا كانت حالة تُحتمل العذر، والمرء مكلف بما يستطيع علماً وعملاً ولا يجوز له العدول عما أداه إليه اجتهاده إذا كان قد بذل جهده، وعليه أن يعذر غيره فيما اجتهد فيه إذا لم يعلم منه سوء القصد كما أن على غيره أن يعذره إذا علم منه حسن القصد ولم يعلم منه سوء المراد.
وأسأل الله تعالى أن يتولى الجميع بعنايته ويلهمنا الرشد والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر - باب الآنية.